فخري شهاب: السفارة الكويتية في واشنطن.. ومشاكل شتَّى

تدل المعلومات التي استشرتها أن لدولة الكويت سفارة عامرة في العاصمة الأميركية (واشنطن)، وأن لهذه السفارة عنوانا في حي وجيه في تلك المدينة العظيمة، وأن سفيرا محترما محنكا يرأسها، وأن ثلة من الدبلوماسيين الكويتيين الأكفاء يعاونونه، يؤازرهم موظفون محليون (أميركيون)، وأنهم جميعا يتقاضون مرتبات محترمة، وأن لسعادة السفير سيارة لائقة وسائقا أنيقا، كما أن لكبار الموظفين الآخرين، سيارات وسائقين، ومرتبات وامتيازات لا يحلم بها أغلب زملائهم من الدول الأخرى. وميزة هذه المؤسسة العتيدة أن المواطن لا يرى، ولا يسمع، ولا يقرأ عن أخبارها ولا نشاطاتها شيئا، فهي للمواطن مؤسسة أقيمت لتخدم أهدافا معنوية، لا مادية، كإعلاء شأن الكويت بين الأمم، وتوثيق العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين… إلخ. أما الأمور اليومية التي تعني المواطن، كمحنة الرعايا الكويتيين في «غوانتانامو»، فهي من الأمور المتروكة الى «الجهات العليا لبحثها في الظرف المناسب»، والبحث ما زال يجري فيها منذ سنين.

معاناة طالب التأشيرة

وأما الإجراءات المفصّلة المطوّلة المعقّدة التي يخضع حامل الجواز الكويتي لها في بعض السفارات، وخاصة ما يقاسيه طالب التأشيرة الأميركية، فمن محن العصر التي تتطلبها «الاعتبارات الأمنية»، وهي طبعا لا تعني السفارة الكويتية في واشنطن من قريب ولا من بعيد. وكنت أحسب أن هذه المشاكل مما قد تتولى وزارة الخارجية الكويتية بحثه مع السفارة الأميركية في الكويت؛ ولكن مشاغل وزارة الخارجية قد بلغت من الكثرة حدا يفوق الوصف او التعداد، وعلى هذا فليس مستغرَبا أن تُولي الوزارة مشكلة طلبات الكويتيين التأشيرة الأميركية، وما يقاسونه من العناء والمشقات في سبيل الحصول عليها المحل الثاني في قائمة أولوياتها، فالوقت محدود، والالتزامات متزايدة، ومن المهم جدا أن يقدر الكويتيون حرج موقف السلطات الأميركية، فهي حليف حميم، وأمنها الداخلي أمر يخصها وحدها هي، ولا يحق لأطراف خارجية التدخّل فيه. ومعاملة رعاياها (ورعايا بعض حلفائها كبريطانيا واستراليا وكندا مثلا) بتسامح عُرْفٌ دبلوماسي مستحسَن يجدر احترامه.

نتج عن هذه السياسة أن الأميركي والبريطاني والكندي والأسترالي (والإسرائيلي ذا الجواز والجنسية المزدوجتين أيضا؟)، وغيرهم ممن هب ودب، أصبحوا يدخلون ويقيمون في الكويت، ويخرجون منها بغير سمات، في حين أن مرور الكويتي من سم الخياط أقل عناء من دخول استراليا والولايات المتحدة، وغيرهما من البلاد التي وُعِد بها المقربون. أليس من حقي أن أسأل «دولتي» وسفاراتها وسفراءها الأجلاء: بحق العقل والمنطق، لماذا، هذه الإهانة المتكررة التي تتلقاها الكويت بترحاب وسرور كلما قدم كويتي طلبا للحصول على سمة لدخول أي من هذه البلاد؟ لماذا؟

جهل مطبق

الجواب: لا لأننا دولة مجرمين ومجرمات بالولادة، يُفْتَرَض الإجرام فينا مبدئيا، وعلى كل مواطن ومواطنة إثبات العكس: لا، حاشا. لا أريد أن يسيء القراء الكرام فهم قصدي. السبب هو الجهل المطبق! نعم، سيدي القارئ لم تقرأ خطأ. السبب هو الجهل.. الجهل المطبق العام.. المخيِّم على مقر وزارة الخارجية الموقرة، التي تجهل توجيه سفيرها، وتحديد واجباته، والسفير الأكرم المبجل نفسه مقصر، حين لم يخطر له قراءة أهم صحيفة في الدولة التي اختير للعمل فيها، واسترعاء نظر الوزارة الى هذه التطورات وأهميتها، وما إذا كان لوزارته تعليق عليها أو توجيهات بخصوصها، وعلى نائبه وعلى السكرتير الأول والثاني والثالث للأسباب الأمر نفسه، ولا أستثني غير السكرتيرات والكتبة المحليين، وسائقي السيارات، والسعاة، والمسؤولين عن تنظيف السفارة.

وكيف كان ذلك؟ الجواب: يمكن الاطلاع عليه في جريدة الـ«نيو يورك تايمز» العتيدة، التي يظهر أن السفارة الكويتية الموقرة لم تكتشف وجودها حتى اليوم! فقد نشرت الجريدة المذكورة قبل أيام أن كوريا الجنوبية قد استخدمت موظفا سابقا في مؤسسة الـ«سي. آي. إيه» وبعض الموظفين السابقين في دوائر الأبحاث في الكونغرس الأميركي، وآخرين ممن اشتغلوا سابقا في البيت الأبيض، بل ومن بعض أعضاء الكونغرس السابقين أنفسهم أيضا، لمعاونتها في إضافة بعض البنود لقانون مفصل جديد يتعلق بالهجرة والإقامة والعمل في الولايات المتحدة الأميركية، قانون هو الآن قيد الإعداد في الكونغرس؛ وقد هُرِعَت «ايرلندا» لإضافة اسمها في قائمة الدول المأثورة أيضا، كما بادرت «بولونيا» الى الاستفادة من هذه الفرصة لإعفاء رعاياها من متطلبات سمات الدخول الى الولايات المتحدة، واضافة اسمها أيضا الى قائمة الدول المحظية التي سبق إعفاء رعاياها من متطلبات سمة الدخول… إلخ.

إلى السفير.. والوزير

تتبادر الى ذهني أسئلة عدة في سياق ما نحن فيه، الأول: هل بلغ علم سعادة السفير المبجل وجود مشروع القانون الذي ورد ذكره قبل قليل؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل أبلغ وزارته المختصة وطلب توجيها منها في ضوء هذه التطورات؟ وماذا كان توجيه الوزارة الموقرة في الأمر؟ وإذا كان رده على هذه التساؤلات بالسلب، فما تفسير غفلته عن الاستفادة من هذا القانون؟

أما سؤالي الثاني، والأهم، فموجه إلى معالي الوزير نفسه: أله علم بهذه الأحداث؟ وإذا لم يكن له بها علم، فهل يرى أن المسؤولين في السفارة قد أخفقوا في القيام بواجباتهم؟ وأخيرا.. إذا كان المواطن الكويتي يقاسي الأمرّين في طلب تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة، فلمَ يدخل حاملو الجواز الأميركي البلاد من غير سمات، ويقيمون ثلاثة أشهر فيها، ثم كل ما عليهم لتجديد إقامتهم زيارة الدوحة أو دبي والعودة إلى الكويت في اليوم نفسه إذا طاب لهم ذلك؟ وهل فكرت سلطات الأمن الكويتية أن تأخذ من هؤلاء الكرام تعهدا بأنه ليس لهم جواز آخر؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما تفسير ذلك؟

أكتب هذا كله، وأسأل نفسي: ما الفائدة؟

لقد أسمعت لو ناديت حيا.. ولكن.. وعلى القراء الكرام إتمام البيت المأثور.

فخري شهاب
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.