هل تطوير القطاع السياحي كمطلب ترفيهي ومصدر دخل يعتبر حلما؟ كل الامكانات موجودة، فماذا ينقصنا لكي نحقق ما حققه الآخرون؟
بين فترة وأخرى، نعيش أحلاما واهمة، على وقع التصريحات المعسولة من حكوماتنا المتتالية، لكننا سريعا ما ننتفض من هذا الحلم، على الواقع المؤلم والصادم..
الغريب أننا لا نتعلم الدرس، بل نعاود الكَرّة مرارا ونعشم أنفسنا كل مرة بصدق التصريحات رغم مرارة التجارب.
وسأعرض اليوم ملفا مهما من ملفات الوهم، التي كثيرا ما عشناها على أنغام الخطط الوهمية والوعود الهلامية، والأهم في هذا الملف أنه يلامس كل بيت، بل وكل فرد من أبناء الكويت.
منذ السبعينات ومع انطلاق المشاريع السياحية الحديثة، ونحن نقرأ ونسمع أن الكويت ستصبح قبلة للسياحة بين دول المنطقة، وسيقصدها السياح من كل حدب وصوب، وقد عشنا هذا الحلم مع تأسيس شركة المشروعات السياحية، وانشاء الأبراج ومتحف الكويت الوطني وبيت السدو وعدد من المتنزهات والحدائق العامة، الا أن حكوماتنا اعتقدت أنها بهذه المرافق قد حققت الهدف المطلوب، فلم تضع الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بتحقيق المردود السياحي والاقتصادي المنشود، وبدلا من أن تتابع البناء والتقدم في هذا القطاع راحت في سبات عميق.
واليوم ونحن على أعتاب اختبارات نهاية العام، نجد الشغل الشاغل لكثير من المواطنين هو الترتيب للسفر، حيث تتركز حوارات الدواوين وجلسات السمر وتغطيات وسائل الاعلام على الوجهات السياحية والحجوزات والأسعار وغيرها من متعلقات السفر، وصار كثير من المواطنين مولعين بالسفر، حتى أنه لم يعد الصيف هو موسم سفرهم فقط، بل ان معظمهم، صاروا يعودون من الخارج ليتساءلوا مباشرة «وين بنسافر من جديد»؟
أما الوافدون فلكل جالية موسم سفر خاص بها، فالجالية الهندية، التي تبلغ 750 ألفا، يفضل أبناؤها السفر شتاء، بسبب غزارة الأمطار وسوء الأحوال الجوية في بلدهم خلال الصيف، أما الجالية المصرية، التي تزيد على 600 ألف نسمة، يعمل معظمهم في الوزارات، بالاضافة الى وجود عدد كبير في قطاع الانشاءات، فانهم يفضلون السفر صيفا بسبب حرارة الجو.. ومن هنا أصبحت الكويت مجرد معسكر عمل، الكل يبحث عن الفرصة المناسبة للهروب منها.
وازاء ذلك تفقد الكويت مليارات الدنانير سنويا، وتضعنا احصائية ميزان المدفوعات للكويت أمام حقيقة مرعبة، وهي أن انفاق الكويتيين على السفر ارتفع بنسبة %37 خلال عامين، فقد سجل انفاقهم على السفر في 2012 نحو 2.5 مليار دينار (أي ما يعادل 8.8 مليارات دولار)، بينما كان هذا الانفاق في 2011 نحو 2.3 مليار دينار أي بزيادة قدرها %9 في مقابل 1.8 مليار دينار خلال 2010، و1.7 في عام 2009.
لا شك في أن السفر فيه فوائد كثيرة، وله جدوى مهمة بعد فترة من ضغوط العمل، لكن علينا ألا نتجاهل المخاطر الأمنية والثقافية والاقتصادية التي يتعرض لها أبناء الكويت لدى سفرهم الى دول تختلف عنا في العادات التقاليد والثقافة واللغة.
كثير من دول العالم تعتمد في اقتصادها بشكل كامل على السياحة، وفي منطقتنا نرى ما تشهده بعض الدول من تقدم سريع في هذا المجال، أما نحن فما زلنا نعيش الوهم.
ونحن نرى كيف تحولت دبي الى قبلة لرجال الأعمال والمستثمرين، بما تقدمه من خدمات وقوانين، ومع ذلك تحرص على استمرارية التحديث والتطوير بخطى ثابتة ورؤى واعية، فمنذ أيام قال الشيخ محمد بن راشد: «اعتمدنا رؤية دبي 2020 لتطوير السياحة، وستكون دبي جاهزة لاستقبال 20 مليون سائح و300 مليون درهم سنويا».
تطوير قطاع السياحة لم يعد مطلبا ترفيهيا وحسب، بل أصبح مطلبا ماسا لتنويع مصادر الدخل القومي وجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم تحول الكويت الى مركز مالي وتجاري عالمي، وهذ التطوير في متناول أيدينا، الا أن تحقيقه يحتاج الى رؤية واضحة وعمل جاد، فهل نعيش الحلم الجميل هذه المرة أم سيظل الوهم يطاردنا؟
اللهم هل بلغت،، اللهم فاشهد.
نبيلة مبارك العنجري
nalanjari@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق