جرب أن تتناقش مع عدد من الكويتيين عن معنى أن تكون ناجحا, لتتوصل إلى نتيجة واحدة و هي أن أغلبهم على الأرجح سوف يقرنون النجاح بالصيت أو الشهرة, ففلان ناجح لأنه يظهر في التلفزيون, وفلانة ناجحة لأنها تقدم دورات, وفلان ناجح لأن مطعمه يلاقي إقبالا من الناس, وقليل ممن ستناقش سوف يقر لك النجاح بالإتقان, كأن يصرح بأن فلانا ناجح لأنه يفهم ما يقول, ويقول ما يفهم عبر شاشة التلفزيون, وفلانة ناجحة لأنها تقدم دورات تفيد أفرادا محددين على التطور وبالتالي المجتمع على النهوض, وفلان ناجح لأنه في مطعمه يقدم فنا على طبق وليس مادة تملأ بها فراغ معدتك.
وللأسف كما تفعل أكثرية الناس مع الوجبات السريعة, يلتهمونها من دون شعور برداءة الطعم, ولا بسوء المنظر, ولا بقبح الرائحة فقط ليطفئوا محرك الجوع أو النهم, يفعلون بتعاطيهم مع مفهوم النجاح, فيسعون إليه سعيا حثيثا يلتهمون في طريقهم إليه الإتقان, والغاية والضمير, فيغدوا ما يسعون إليه هو الهدف لا أبعد منه.
وهناك على ذلك أمثلة عديدة لأناس ركبت ظهر الحياة ظنا منها أنها تطوعها لتحقق أولا الربح المادي, و ثانيا الربح المعنوي الذي سيتحقق بالغنى أو المنصب. فها هي إنسانة غير مستقرة الإرادة ولا الإدارة في حياتها الشخصية تخاطب الناس وتقيم الدورات التدريبية حول الإدارة الناجحة و التمكين بالطاقة والتعزيز بالتخاطب الذهني وغيره, وها هو أستاذ جامعي عجز عن التمكن من درجته الأكاديمية من دون استئجار عقول ناس استضعفهم واستقووه فركب موجة الدرجة الأكاديمية لكنه عجز عن التحرك قدما فكان أن تجمد في مكانه لا يستطيع سوى أن يركب رقاب الآخرين و يتحكم بمصائرهم, ومن هذه الأمثلة كثير.
النجاح حقيقة وفعلا طعمه دفين داخل لب وجب عليك سبر غوره في تجربة تلو تجربة ومحاولة بعد فشل محاولة, فكأنك تجرده من زيف الناس, فلا تجرب الصيت ولا السمعة, ولا تجرب جني المال, ولا الزواج, ولا المنصب لأنهم لن يمنعوك من أن تستيقظ في يوم ما لتكتشف أن حياتك ماسخة رغم رائحتها التي وصلت بك وباسمك إلى أماكن بعيدة, إلا أنها تفتقد لطبيعتها الخاصة, وأن حياتك تشبه الظل لحيوات أخر جمع أصحابها فيها المال الرخيص و صرفوا فيها شبابهم الغالي وطاقاتهم الضائعة, وأنك رغم ما تملك ويملكون من أفكار عنك وحولك إلا أنك “فارغ” إلا من هواء ملأك الناس به, وهراء ملأت به أنت نفسك, وعند أول اختبار حقيقي للأصالة والجودة و الإتقان سيخرج منك الهواء والهراء معا مودعين جسدا استنزفه الزيف وروح استنزفها اللهث وراء المال.
خلاصة القول, ان من أراد أن يستلذ بطعم النجاح وجب عليه إدراك مفاهيم أولية تقوده إليه ومنها: الإخلاص في العمل, الرغبة في الإنجاز, استهداف المنفعة حقيقة لا المصلحة كذبا, بذل السبل لإتمام المهمة, طلب المساعدة مع حفظ حق الآخر في ما ساعدك به, حفظ الجودة, الابتكار, ومن فوقهم ومن تحتهم ومن قبل ومن بعد وجب أن يتحقق الاستمتاع, فبلا متعة في ما تفعل لن تذق طعم النجاح أبدا.
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق