أحمد العيسى: الكويت.. أزمة جديدة عمرها 50 عاما

ربما كانت الأزمة السياسية التي عبرت الكويت الأسبوع الماضي بين الحكومة والبرلمان نسخة مكررة للأزمات ذاتها، التي تشهدها العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على مدى 50 عاما وهي الفترة التي بدأت مع تأسيس البرلمان الكويتي في يناير (كانون الثاني) 1963.
في الأزمة الأخيرة، اعترضت الحكومة على قيام نواب بكسر الهدنة السياسية بتأجيلهم مساءلة الوزراء لمدة ستة أشهر لتمكينهم من العمل، وتم بالفعل إرجاء مناقشة أربعة استجوابات قدمت، لتناقش على مدى الشهرين المقبلين، حيث حدد الموعد المقرر للبدء في مساءلة الوزراء نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إلا خمسة نواب باغتوا الحكومة الأسبوع الماضي بتقديم استجوابين، الأول لوزير الداخلية والثاني لوزير النفط، مما دفع بالوزراء لتقديم استقالات جماعية وامتنعت الحكومة على إثرها عن المشاركة في جلسات البرلمان الأسبوع الماضي، ليمتد أمد الأزمة السياسية إلى الأسبوع المقبل وتحديدا 28 مايو (أيار) الحالي وهو الموعد المقبل لجلسة البرلمان.

نقل رئيس البرلمان مطلع الأسبوع الحالي عن الأمير توجيهه للحكومة بحضور الجلسات، كونه يرأس السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، فتم احتواء الأزمة الحالية راهنا، فيما يبتعد البرلمان الكويتي مسافة ثلاثة أسابيع عن الفصل في مصيره، حيث من المقرر أن تصدر المحكمة الدستورية في 16 يونيو (حزيران) المقبل أحكاما للفصل في 68 طعنا قدمها متضررون من العملية الانتخابية، تناولت عمليات جمع الأصوات ومخالفات شابت العملية الانتخابية، إلا أبرز الطعون المقدمة على مدى توافر شروط الضرورة على قرار اتخذه أمير البلاد في أكتوبر الماضي بموجب صلاحياته الدستورية بإجراء تعديل على نظام الانتخاب الآمر بضبط فوضى الأداء السياسي وتخفيف الاحتقان، مما دفع المعارضة التي تتشكل من قبليين وإخوان مسلمين وفيصل من الليبراليين لمقاطعة الانتخابات التي أجريت في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وبعيدا عن الحالة القائمة في الأزمة الحديثة بين البرلمان والحكومة في الكويت، فإن مكونات الأزمة معروفة، نواب في البرلمان يقررون التصعيد على الحكومة يهددون باستجواب وزير، ثم تحجم الحكومة عن التعامل بداعي تعسف النواب باستخدام صلاحياتهم الدستورية، فيغيب الحديث عن الإنجاز وتستعيد مفردات مفاتيح الخروج من الأزمة مكانتها في حديث المتابعين، وتمتنع الحكومة عن حضور الجلسات ويقدم وزراء استقالات جماعية، ويرفض النواب الذين افتعلوا الأزمة الحديث عن مخارج غير دستورية، وعادة ما تنتهي الأزمة إما باستقالة الحكومة أو حل البرلمان، أو في مرات قليلة احتواء الخلاف داخل البرلمان بعد أن يخضع النواب لتهديد الحكومة، أو يقال الوزير مثار الأزمة رضوخا لطلب النواب.

واقع الأمر أن في الكويت قوى تتصارع على مكاسب سياسية ومساحات نفوذ، ويحدث أن يكون البرلمان هو حلبة الصراع، كونه الحلقة الأضعف والأكثر قابلية للاختراق في مستويات المعادلة السياسية الكويتية، ولهذا ما إن يشيد عدد من النواب بتعاون الحكومة، حتى يقوم فريق آخر بتعكير صفو العلاقة، وخلق حالة من الاستقطاب الحاد بالمجتمع، بسبب مساءلة وزير أو ملاحقة قطب حكومي عادة بهدف إقصائه من المعادلة السياسية.

هذه الصورة لم تتغير على مدى 50 عاما منذ تأسس البرلمان الكويتي في يناير 1963، حيث تغيرت 31 حكومة وتشكل 15 برلمانا، أكمل مدته منها 7 برلمانات، وحل 8 أحدها بحكم محكمة دستورية في يونيو الماضي أبطلت كل ما ترتب عليه من آثار، فيما تم تعطيل عمل البرلمان مرتين لمدة 10 سنوات تراوحت بين 1976 – 1980 و1986 – 1992، وحلت البرلمانات التي تشكلت بعد الغزو العراقي بشكل دستوري وبموجب صلاحيات سمو الأمير الدستورية.

شاهد هذا العرض أن الأزمة السياسية في الكويت مستمرة لأن مصدرها ليس البرلمان أو الحكومة منفردين أو مجتمعين، بل لأن الأطراف الفاعلة تستخدم البرلمان في أحيان كثيرة من خلال بعض نوابه باعتبارها أدوات في الصراع السياسي الذي يفوق مستوى المؤسسة البرلمانية، ولهذا نجد في الكويت حالة غريبة من اللامبالاة السياسية تجاه الملفات الحساسة التي تمس المواطن مباشرة وبين قضايا المساءلة السياسية التي يراد منها إقصاء الوزير بأي شكل من الأشكال، فعلى الرغم من بلوغ عدد الاستجوابات المقدمة في البرلمان منذ تأسس عام 1963 حتى الأسبوع الماضي 68 استجوابا، ولم يتمكن النواب من إقصاء وزير واحد عبر حجب الثقة عنه، فكان المشهد ينتهي بواحدة من أربع قفلات: استقالة الوزير قبل مواجهته الاستجواب، أو مواجهة الاستجواب والاستقالة قبل التصويت على طلب حجب الثقة، أو استقالة الحكومة مجتمعة، أو مواجهة الوزير الاستجواب وعبور طلب حجب الثقة، وبين هذا ذاك كان يحل البرلمان في بعض الأحيان.

لذا، وعلى الرغم من مرور 50 عاما على بدء الممارسة النيابية في الكويت، لا تزال الأزمات السياسية ذاتها حاضرة أيضا رغم تغير شخوصها وطبيعة القضايا، وعليه فمن غير المستغرب أن يكون مخرج الأزمة السياسية الأخيرة بين الحكومة والبرلمان، واحدا من اثنين سبق تكررهما قبل ذلك، إما أن يتخذ الوزيران المعنيان بالاستجوابين المقدمين بحقهما واحدة من «القفلات الأربع» أو يتم إرجاء الاستجوابين الماثلين حاليا إلى بقية الاستجوابات المرجئة إلى أكتوبر المقبل، أما البرلمان فعليه انتظار حكم المحكمة الدستورية، فلقد يواجه مصيرا يشابه مصير واحد من سابقيه لتشابه القواسم؛ فإما برلمان عام 2008 الذي حل بمرسوم أميري بعد تنامي حدة المساءلة وعدم تجانس أعضائه لكونه جاء وليدا لنظام انتخابي جديد، أو برلمان فبراير (شباط) 2012 الذي أبطلته المحكمة الدستورية في يونيو الماضي بسبب خطأ في مرسوم الدعوة، لتتم الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، مع بقاء الاحتمالات قائمة لاستبعاد بعض النواب الحاليين وإجراء انتخابات تكميلية لاختيار بديل عنهم لأخطاء شابت عمليات الجمع أو لفقدانهم شروط الترشح لعضوية مجلس الأمة.
أحمد العيسى

كاتب صحافي ومحلل سياسي كويتي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.