الخلل في التركيبة السكانية يشكل عدة مخاطر على المجتمع الكويتي.. والمطلوب وضع استراتيجية متكاملة لمعالجته تراعي احتياجات البلاد الفعلية.
تذكرت جملة أطلقها أحد أصدقاء الأسرة في بداية التسعينات، عندما قال «انتو الجالية الكويتية كترتم في البلد». ورغم ان تلك الجملة جاءت من شخص مصري معروف بخفة الظل، فإنه لم يكن يقصد بها سوى المزاح، فهو يعشق الكويت لأنه ولد وترعرع فيها منذ الستينات، ولوالده خدمات كثيرة قدمها في هذا البلد منذ الخمسينات.
في التسعينات لم تكن الكويت قد تكدست بالعمالة الهامشية إلى الحد الذي نعاني منه الآن. لذا، فإن جملة صديقنا كانت سباقة في تصوير ما نعيشه الآن من واقع مخيف. فالتركيبة السكانية لدينا الآن تعاني خللا كبيرا ومخاطر لا تعد ولا تحصى على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وباستعراض سريع للإحصائيات سنجد أن عدد الكويتيين بلغ نحو مليون و185 ألف نسمة، أي ما يعادل %31.9 من سكان الكويت، وفقا لتقرير صادر من وزارة الصحة في مارس الماضي، بينما بلغ عدد الوافدين أكثر من مليونين و534 ألف شخص، بنسبة %68.1.
هذه النسبة المخيفة كفيلة بأن تحرمنا من النوم عندما نتعمق في التفكير في مخاطرها، فيكفينا أن نعلم أن أبناء جالية واحدة فقط يفوق عددهم نصف عدد الكويتيين، كما أن أكثر من %18 من الوافدين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، بينما %65 منهم تتراوح أعمارهم بين 30 و45 عاماً.
وفي مقابل هذا الخلل بما يشكله من مخاطر اجتماعية على مجتمع صغير كمجتمعنا نجد أن الدولة تفقد ملايين الدنانير شهرياً في ظل وجود أعداد ضخمة من العمالة الهامشية، وقد بلغت تحويلات الوافدين على مدى 6 سنوات ما يعادل 49.5 مليار دولار، وفي عام 2012 فقط بلغت تلك التحويلات نحو 4.4 مليارات دينار في مقابل 3.6 مليارات لعام 2011، أي بزيادة نسبتها %20 خلال سنة واحدة.
الخطر الأكبر الذي يستشعره كل مواطن مخلص ومحب لهذا الوطن عند استعراض الإحصائيات هو أن أكثر من %62 من الوافدين يتقاضون رواتب أقل من 180 ديناراً شهرياً، وهناك نسبة %7.3 منهم تقل أجورهم عن 60 ديناراً. فهل درست حكومتنا المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المحدقة التي قد نتعرض لها جراء هذه التركيبة؟ وهل وضعت استراتيجية محددة لمواجهة أي فئة منهم إذا تحركت خلف هدف دنيء يضر بأمن هذا الوطن وأمان مواطنيه؟
وبالعودة إلى مصطلح «الجالية الكويتية» الذي يثير «حسرة في القلب وغصة في الحلق» سنجد أننا بتنا نعيش حياة صعبة، بل وبائسة في بعض الأحيان، فمستشفياتنا لا تستوعب هذا العدد الضخم من السكان، وها هي العيادات الخارجية تصل مواعيد الانتظار فيها إلى شهور.. أما الطرقات فحدث ولا حرج، نقضي فيها الساعات الطويلة وسط الزحام الخانق بجميع المناطق فنهدر الوقت والجهد ونفقد الأعصاب.. وعلى المنوال نفسه تعاني مدارسنا من المشكلات الكثيرة، أقلها تكدس الفصول بالأعداد الكبيرة مما يؤثر في استيعاب أبنائنا ومستوى تحصيلهم.
وهنا إذا كنت ألفت الانتباه إلى مخاطر ازدياد العمالة الوافدة، فإنني لا أنكر الفضل الكبير لكثير منهم في دفع مسيرة التنمية، فمنهم الأطباء والمهندسون والمعلمون ورجال الاقتصاد، وغيرهم من أصحاب المهن المهمة التي لا غنى لنا عنها، لكن في المقابل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل الاستمرار على هذه الحال في وقت ترتفع فيه البطالة بين شبابنا إلى أن وصلت %4.5. فدفع مسيرة التنمية لا يستدعي بالضرورة «ترس» البلد بكل هذه الأعداد من العمالة، وأمامنا دولة اليابان التي صنعت نهضتها الاقتصادية على مدى نحو 60 عاماً فقط من دون الاعتماد على العمالة الوافدة إلا فيما ندر.
علينا أن نسرع في وضع استراتيجية متكاملة لمعالجة الخلل في التركيبة السكانية تراعي احتياجاتنا الفعلية وأهدافنا المستقبلية.. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
نبيلة مبارك العنجري
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق