صالح الشايجي: من فاس لا عنها

كتب من مدينة فاس المغربية، ولا أكتب عنها، تلك المدينة الموغلة في القدم، والضاربة جذورها في عمق التاريخ الذي تطؤه قدما زائرها في كل خطوة يخطوها في أزقتها وزنقاتها ودروبها.
ورغم كل مغريات الكتابة عن مدينة مثل هذه، فلن أكتب عنها ـ في هذه المقالة على الأقل ـ وربما كتبت عنها مستقبلا، إنما سأكتب منها عن بلادي عن الكويت، لأمر استحق الكتابة وأراه جديرا بها. فأثناء تجوالنا أنا وابني نصار في أسواق فاس القديمة والمعروفة بأزقتها الضيقة جدا جدا والتي مازالت عامرة بأسواقها ومعمورة بأهلها الذين لم يغادروا بيوتهم العتيقة الضيقة تلك، في تجوالنا ذاك صادفنا أكثر من موقف مبهج وسعيد طار بقلبينا على أجنحة السعادة، فبمجرد أن يعرف أحد أننا من الكويت حتى يبادرنا بما يشي باتصاله بالكويت، ولما نسأله: هل زرتها أو أن لك أهلا فيها؟ يجيب بلا، ولكنني أتابع فنها الغنائي والدرامي من خلال مسلسلاتها وأغانيها، وهناك من تربطه علاقة برياضتها فيتحدث مع ابني عن الفريق الكويتي الفلاني، ويزيد بما يؤكد متابعة شبه دقيقة للشأن الرياضي الكويتي.

ما أحببت قوله والتأكيد عليه هو فكرة قديمة لطالما أبلينا ـ نحن بعض الكتاب المتحسرين على ماض مجيد كتبته بلادنا وتخلت عنه لاحقا ـ أقلاما وأوراقا كثيرة تحسرا عليه ومطالبة بعودته، وهو ان ما نستطيع تصديره للناس في القاصي والبعيد والداني والقريب هو فنوننا وأنشطتنا الحياتية لا سياستنا وصخبنا وعراكنا على قصعة كريهة المذاق اسمها السياسة الكويتية.

ولسنا فريدين في ذلك فأمم الأرض كلها تعرف وتحب وتعيش بوجدانات الناس من خلال ما تبدعه من فنون وأنشطة إنسانية تصل إلى الذين يختلفون عنها عرقا ولغة ودينا، وتبدأ بنسج الوشائج الإنسانية بين البشر وترسخ اسم تلك البلاد المبدعين أهلها في أذهان الناس رغم البعد والاختلاف.

لم نسمع هناك في المملكة المغربية الشقيقة من يبدي إعجابه بسياستنا أو ديموقراطيتنا أو دستورنا ومآزقنا السياسية الكثيرة التي جعلتنا في آخر الصف البشري والمدني.

فمادمنا عرفنا علتنا وعرفنا دواءها فلماذا لا نتداوى بالفنون والآداب والرياضة والمناشط الإنسانية كافة لنرسم حضورنا وحبنا في عيون الآخرين وقلوبهم؟!
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.