عامر التميمي: قطاع النفط وبناء الثقة

تمثل الاجراءات التي اعتمدت في القطاع النفطي والتي تمثلت بالتغيرات الادارية خطوة مهمة على طريق الاصلاح في هذا القطاع، الذي شهد تراجعاً في الأداء منذ أن جرى تأميم مصالح الشركات الأجنبية في شركة نفط الكويت، وبعد ذلك اقتناء حصص القطاع الخاص الوطني في الشركات الأخرى مثل البترول الوطنية وشركة صناعة البتروكيماويات وناقلات النفط. هيمنة الدولة على القطاع النفطي تكرست منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، وبعد الصدمة النفطية الأولى التي أدت الى ارتفاع أسعار النفط ومن ثم زيادة الايرادات السيادية. وقد تفاوتت عمليات هيمنة الدولة المنتجة للنفط على القطاع النفطي، وهناك دولة منتجة ظلت تحتفظ بعلاقات شراكة بشكل أو بآخر مع الشركات النفطية العالمية التي بدأت عمليات الانتاج في بلدانها. مثلاً، يمكن اعتبار نموذج أرامكو وترتيب علاقات عمل بين الدولة السعودية وشركات النفط من النماذج الناجحة في ادارة القطاع والارتقاء بأعماله. ولا شك أن القطاع النفطي في السعودية استفاد من تلك العلاقات في تطوير القدرات المهنية للعمالة السعودية في هذا القطاع والارتقاء بالانتاجية.

شهدت الكويت، منذ سيطرة الدولة على القطاع، تراجعاً في الاهتمام بمسائل تنمية المهارات وتطوير الكفاءة الانتاجية. بل أكثر من ذلك أن القطاع شهد عمليات تسييس التوظيف ومحاولات من قوى وأعضاء في مجلس الأمة تسخير القطاع من أجل توسيع عمليات تنفيع الأنصار والأتباع بما يؤدي الى توظيف تلك العمليات في توسيع دائرة النفوذ لتلك الأطراف، ومن ثم التكسب الانتخابي على حساب المصالح الحيوية للقطاع.

الآن، وبعد ما جرى من مشكلات وآخرها غرامة الداو الباهظة ناهيك عن عمليات اقتناء للاصول في الخارج، وما صاحبها من لغط وسوء ادارة وعدم وضوح في الاستراتيجية، مطلوب أن يعتمد القطاع النفطي نهجاً مختلفاً بما يعزز ثقة الكويتيين بنزاهة القائمين على هذا القطاع وكفاءتهم. أهم عناصر أي استراتيجية للاصلاح هو اختيار الأكفاء من بين العاملين في قطاع النفط للادارة والقيادة. كذلك لا بد من تطوير أعمال الانتاج والتكرير والصناعات النفطية المصاحبة بموجب معايير اقتصادية واضحة تؤكد أهمية تنويع القاعدة الانتاجية في القطاع. من المهم أن تصبح الكويت ليست فقط مصدرة للنفط الخام ولكن لمنتجات مكررة ومشتقات نفطية ومواد بتروكيماوية. قد يتطلب الأمر توسيع الشراكة مع الشركات النفطية العالمية وتمكين القطاع الخاص من المشاركة في أعمال في الشركات العاملة في التكرير مثل البترول الوطنية أو البتروكيماويات أو الناقلات. وربما تساعد هذه الشراكات على احداث تحولات مهمة في الادارة والتشغيل. غني عن البيان ان هناك تحديات واضحة تتعلق بالارتقاء بقدرات العمالة الوطنية في القطاع النفطي بما يؤكد أهمية التعليم المهني والتدريب بما يعني وضع الخطط المناسبة التي تزيد من أعداد العاملين الكويتيين في القطاع وتقلص من عمليات الاعتماد على الشركات المساندة التي تعتمد على العمالة الوافدة.

ان اصلاح هذا القطاع الذي يمثل عصب الحياة الاقتصادية في البلاد منذ ما يقارب السبعين عاماً يمثل استحقاقاً مهماً في عملية الاصلاح الاقتصادي في البلاد، ويجب ألا نتقاعس عن اتخاذ الاجراءات المطلوبة التي تمكن من استعادة الثقة في ادارته.

عامر ذياب التميمي

باحث اقتصادي كويتي

ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.