عبدالله بشارة: آمال على كراسي التخطيط

[علينا ان نعترف بأن تجربتنا في التخطيط لم ترق الى ما نطمح اليه مما يستوجب ان نضعها تحت التقييم وتحديد المعوقات وأوجه القصور التي شابتها سعيا لتطوير هذه التجربة وتصحيح مسارها وتحقيق غاياتها المنشودة..].
هذه كلمات سمو رئيس الوزراء الذي يعترف بالتقصير في حق أعضاء المجلس وفي حق مفهوم التخطيط، ثم يضيف داعيا المجلس الجديد [بوضع نهج جديد في العمل المؤسسي وصياغته على أسس عملية سليمة ليحيط بكل قضايا المجتمع ويعد الحلول الابداعية لها] ويستطرد سمو الرئيس [ في ان الحكومة مستعدة تماما بكل ما تملك من طاقات وامكانات للالتزام بكل قوة لتجسيد ما تصوغونه من تصورات وحلول آنية ومستقبلية وتحقيق المزيد من الانجازات].
هذه المفردات هي عهد يقطعه رئيس الوزراء لرجال التخطيط الذين عملوا سابقا مدفوعين بالحس الوطني لمساعدة حكومة الكويت في رسم الخطة ومتابعة تنفيذها، لكنهم أصيبوا بالاحباط من الاهمال ومن تجاهل ما يكتبون ومن تهميش دورهم في مسارات التنمية.
ويعيد رئيس الوزراء التشكيلة بمضمون جديد في الأعضاء وبما يوحي من تشكيلة المجلس بأن هناك نهجا مستجدا في تقدير معاني التخطيط.
ونلاحظ في هذا المجال بأن الأعداد الجديدة التي انضمت الى الركب القديم هم من أصحاب الخبرة ومن أصحاب المقام والتأثير، وبشكل يضفي مساحات واضحة من الجدية بما يحفز الآمال بأن سياسة الركن والتجاهل انتهت، مع ما يقوله رئيس الوزراء، بأن حكومته جادة في تنفيذ توصيات المجلس والاستعانة القوية بقراراته.
بودي هنا، ان اشير الى ان خطاب رئيس الوزراء هو عهد من حكومته باستحضار متطلبات التخطيط، وأبرزها الانضباط وتطبيق النظام وجعل توصيات مجلس التخطيط مصدر أوامر للتنفيذ لكي يتم التلاقي بين التوصيات المدروسة والمستوحاة من واقع الكويت وبين آليات التنفيذ.
ويذهب هذا العهد الجديد مع التشكيلة الحديثة الى أعماق المعاناة في التركيبة الكويتية الحاضرة في مساراتها: السياسة والاقتصاد والسكان والمجتمع المدني والتعليم وكل جوانب الحياة.
ونلاحظ بأن رئاسة اللجان التي انبثقت كانت من نصيب وزراء سابقين لهم تجربة ومعرفة واقعية في مشاكل الكويت، فالشيخ العفيف سالم عبدالعزيز الصباح يخرج من شباك البنك المركزي بأكياس ثقيلة من التجربة والخبرة والمعايشة، وكانت حياته في البنك وهو يراقب الارتجال والتسرع كلها معاناة، كالآخرين من الذين ضجروا من التخبط فآثروا الابتعاد ليس بحثا عن الركن الآمن وانما ضيقا من العجز في تجاوز المألوف والخروج منه بالمفهوم الجديد والحيوي والجريء الذي تحتاجه الكويت، ويعتمد الشيخ الدكتور محمد صباح السالم في الموكب الجديد رئيسا لاحدى اللجان الهامة، حاملا معه كراسة من مخزون التواصل العالمي والمعرفة في الأسلاك الشائكة التي تربط العلاقات بين الدول، ويقدم نسيما طازجا ومنعشا يأخذه من التداخل الواسع في علاقاته الاجتماعية المحلية.
وسعدت كثيرا بخروج الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر، وزير شؤون الديوان الأميري، الى سطح المساهمة المرئية بعد ان كان هادئا مفضلا البعد عن الاصطفاف في الخط الأول، حاملا معه طموحات ضخمة تعانق الخيال في حجم مشروع طريق الحرير ومشتقاته.
ولعل رئيس الوزراء على علم بأن اجتماعات مجلس التخطيط ما كانت تستفز توقعات المواطنين في الانجاز ولا في قراءة جدية لتوصياته ومرئياته، وكانت الصورة العامة عن المجلس بأنه مجلس استشاري يجتهد ويتعب ويرهق أنفاسه مع تكاثر الخيبات في منظر التوصيات، وهي تركن في ملف الصمت والنسيان.
وشعرت شخصيا بأن هناك عزما من الحكومة على المغادرة النهائية للفصل السابق في التجاهل والتهميش، مع ادراك ناضج بأن التخطيط هو حصيلة العقل الراجح وثمرات للخبرة والتجارب، وأنه من ضرورات التطور والحياة المتجددة.
وآمل ان يذهب المجلس في ملفاته الى مواجهة القضايا الكبرى، وهي مصدر آلام الوطن، وأكبرها التركيبة السكانية التي تتورم يوميا ليس حجما وانما في تهديداتها للأمن وللاستقرار وفوق ذلك للهوية الوطنية، مع المتابعة اللازمة لمواقف الحكومة من الاهدار البرلماني للمال العام في توزيعات متلاحقة في قرارات سياسية انتخابية، لا تتلاءم مع قرارات التخطيط في حكمة الانفاق المناسب والتنموي وليس الانفاق السياسي المعكر للمزاج الوطني والهادر للمال العام.
وقد نشرت الصحف بأن رئيس الوزراء طلب من أعضاء المجلس تكثيف الاجتماعات مع التأكيد على ان تقارير المجلس ستكون المصدر المؤثر في القرارات التنموية التي تطرحها الحكومة، بمعنى ان مجلس التخطيط أصبح مؤسسة سياسية واقتصادية واجتماعية ذات صلة مترابطة مع السياسات التي تقرها الدولة، ولم يعد جهازا اضافيا ملحقا بديوان رئيس الوزراء، خاصة وأن تشكيلة الأعضاء تحمل مؤشرات النفوذ والقوة وبما يحيط المجلس بمرجعية لها المنزلة المميزة.
صورة الكويت الخارجية، أجمل من واقعها الداخلي، والأضواء الساطعة حول هويتها أكبر كثيرا من ارتباكها الداخلي، الذي نلمسه الآن حول الداو وافرازاتها السياسية والاعلامية وثقلها السيئ على صورة الكويت.
نعود الى لجنة متابعة الاداء التي شكلها المجلس، ولا نريد ان نبالغ في أهميتها في الحصول على ثقة المواطنين في أعمال المجلس، فقد كانت الروايات تدور وبتضخيم عن عزل المجلس عن القضايا الحساسة في مجالات صناعة النفط وفي تشييد المدن واقرار المنشآت الضخمة ذات الطابع الخاص، ونشعر الآن بأن الهوية الجديدة تضع ثقلها في المتابعة في ملاحقة القرارات وتحويلها من ورق طامح الى واقع ملموس، ولذلك فان لجنة المتابعة تحمل مسؤولية حساسة لأنها تمس جميع جوانب حياة المواطن.
ولعل الحكومة تلجأ الى مجلس التخطيط في مواجهة الاسراف في المياه والكهرباء وتقف عند الدعم المساهم في هذا الاسراف لكي يتدارس المجلس ضرورات النظر في حجم الدعم من أجل تصويب الاختلالات لوقف الاعتماد الكلي على النهج الرعوي في حياة الكويت ليست لمواطنيها وانما لغيرهم أيضا.
ولهذا من المناسب ان تستأنس الحكومة في حكمة مجلس التخطيط للنظر في لائحة الأعباء التي تتحملها كدولة يرتكز مجتمعها على الرعاية الحكومية، ونشير الى مداخلة العضو خالد العيسى الذي أكد على استثمار الفوائض المالية في تنفيذ الخطط والبرامج التي يضعها المجلس، والتي لها عائد اضافي في الموارد المالية وفي تطوير المجتمع ودفعه نحو الابداع والانتاج، وليس التوسع في ساحة الامتيازات والعلاوات.
ونقول بأن على الحكومة ان تركن على المجلس في ضغط المصروفات والتقليل من الاسراف في المسارات الخدماتية، وأن تعتبر المجلس شريكا في القرار التنموي الذي تقدم عليه ليس فقط في الشأن المالي وانما في مظاهر الحياة ومن أبرزها التعليم والصحة والأمن الجماعي في هذا الوطن الذي ظل يعاني من الاستهتار في أهمية التخطيط في نهضة الشعوب.
يتحرك رئيس الوزراء الآن بثقة توحي لنا بأنه عازم على الاستعانة بأصحاب الخبرة المعنيين بازدهار واستقرار الوطن، وواضح من مفرداته في اجتماع مجلس التخطيط بأن المجلس سيكون هيئة ملازمة لعمل الحكومة في مجال التنمية الجامعة، وأن عهد الفتور التنموي انتهى وأن المجلس تعدلت أوضاعه وصار رفيقا دائما في حياة حكومة الكويت.
وتبقى كلمة نرسلها كهمسة صداقة الى سمو رئيس الوزراء بأن يجند كل عزمه وتصميمه على ان يكون القرار السياسي خاضعا لمتطلبات التنمية، وأن يبتعد عن تسخير التنمية ومتطلباتها للمقتضيات السياسية، يعني ان تأخذ التنمية الريادة والسيادة قبل ان تتسلل المماحكات السياسية الى الجسد التنموي وتعبث به.

عبدالله بشارة
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.