حكم الغرامة الكبير الذي خسرته الكويت في قضية “الداو” ليس إلا رأس جبل جليد الخسائر الاقتصادية التي تسبب بها الشحن السياسي الخاضعة البلاد لإرهابه منذ سنوات عدة والذي عبره استطاع بعض النواب, أكان في المجلس السابق او الحالي ومن بينهم رئيس مجلس الأمة الحالي احمد السعدون, نسف استثمارات ومشاريع عدة كانت تبشر بتحقيق الكثير من الفائدة للبلاد, إلا ان هؤلاء كانوا يهددون مع كل مشروع إما بمساءلة الوزراء أو حتى باستجواب رئيس الحكومة, بل ان بعضهم قال وبأعلى الصوت “مشروع الداو لن يمر إلا على جثتي”.
هنا, وللتاريخ فقط, نذكر ان سمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد حذر الجميع من مغبة الإقدام على إلغاء الصفقة ومما يمكن ان تتكبده الكويت من خسارة في هذا الشأن, لكن الذين يدّعون وصلا بليلى الحفاظ على المال العام لم ينصتوا الى صوت العقل والمنطق, وراحوا يكيلون الاتهامات للرجل ومن معه.
هذا الشحن الذي تورط فيه بعض أبناء الأسرة نتيجة خصومتهم غير المبررة مع ابن عمهم سمو الشيخ ناصر المحمد أدى الى تكبيد الكويت هذه الخسارة الكبيرة, ويومها بعضهم زين للناس ان إلغاء صفقة”الداو” هو انتصار لحماة المال العام, وهللوا كثيرا لما اعتبروه إنجازا لهم, ودلسوا وكذبوا, فيما الامر لا يتعدى حدود الكيدية ضد الرجل الذي اراد تطبيق الدستور والقانون وجعل الجميع سواسية أمامهما, بمن فيهم أبناء الأسرة, وأصحاب اللغة السياسية الخشبية الالتزام بالدستور والقانون, وهو ما لم يرق لأولئك الذين اعتادوا استباحة كل القوانين في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة.
للاسف, ها هو التاريخ يعيد نفسه,وبالاشخاص انفسهم, الذين ينفخون في كير الشحن السياسي لاشعال نيران تعطيل المشاريع وتضييع الفرص الاستثمارية, وكأنه لم يشف غليلهم تعطيل مشروع المصفاة الرابعة, ولا منع تنفيذ قوانين ال¯”bot”, والرهن العقاري, ولا آخرها”الداو”, فها هم مستمرون في تدميرهم الممنهج للاقتصاد, ويشحنون الناس بأكاذيب لا أساس لها.
الإفلاس السياسي الذي يعاني منه هؤلاء يجعلهم يهربون الى التأزيم في كل النواحي, فلا هم تعاونوا مع الحكومة كما قالوا عشية فوزهم بالانتخابات ولا سهلوا أمور البلاد والعباد, بل على العكس لجأوا الى اقرار القوانين الزاجرة التي تزيد من الفرقة وتقيد الحريات, بدءا من قانون “إعدام المسيء” ووصولا أخيرا الى تلويحهم باقتراح قانون يمهد لنزع الاستقلالية عن القضاء وجعله رهينة لمزاجهم عبر قانون إلغاء محكمة الوزراء.
تتوهم هذه الفئة الباغية سياسيا قدرتها على تصوير الأمر وكأننا في خضم ما تعتبره”ربيعا” مشابها لما جرى في مصر وتونس, حيث استطاع البعض هناك إسقاط الأنظمة بينما هنا يشل البعض النظام والدولة, لكن لم تدرك بعد ان الشعب بات يعي كل ألاعيبها, ولم تعد تنطلي عليه شعوذاتها, وهو يراقب لكنه في الوقت نفسه يتطلع الى إجراءات حاسمة تضع حدا لهذا السلوك السياسي الشاذ الذي يخرب الشأن العام, ويتقصد أصحابه تدمير الاقتصاد والإضرار بالثروة الوطنية.
وحتى لا يلتبس الأمر على أحد, لا نقصد بالإجراءات الحاسمة حل مجلس الامة, بل بالعكس نرى ان يستمر هذا المجلس اطول فترة ممكنة حتى تتكشف كل جرائم ميليشيا الابتزاز السياسي, وفي الوقت المناسب ستغص ساحة الارادة وكل ساحات الكويت بالمواطنين الذين سيحاسبون هذه الفئة على أفعالها وتسقطها الارادة الشعبية التي لا يمكن لاحد الكذب عليها طوال الوقت, أو دغدغة مشاعرها إلى ما لا نهاية.
لم يعد خافيا على أحد أن مجلس الأمة الحالي لم يقدم أي شيء للبلاد غير محاكم التفتيش والمخافر ونصبه مشانق الاعدام السياسي لكل معارضي غالبيته, وسنّه القوانين الزاجرة, لهذا نتساءل: هل نحن أمام مجلس أمة أم مجلس قيادة ثورة?!
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق