بعد أن تم الإعلان الرسمي عن قبول استقالة وزير النفط من قبل مجلس الوزراء، فإن هروبه عن صعود منصة الاستجواب وتعذّره بتقديم الاستقالة لتبرير عدم مواجهة مجلس الأمة، هما بمثابة الخطوة الأهم التي تستحق الإدانة والاستنكار لما ذهب إليه الوزير من مراوغة مكشوفة، بعد أن مارس قبلها الكثير من التسويف والمماطلة لإضاعة الوقت، علّ وعسى أن تتغير الظروف السياسية وتتبدل لصالحه، كما يفسرها الكثير من ساسة اليوم! هذا الهروب الذي قد يُنهي الشق السياسي المتعلق بإدانته كمسؤول أول عن الهدر الكبير في المال العام، الذي أدى إلى خسارة الكويت آلاف الملايين من الدولارات دون وجه حق، ولكنه لن يعفيه من الشق الجنائي مساءلة ومحاسبة، ذلك كون الجريمة التاريخية الأهم في هدر المال العام التي تجاوزت كل الأطر الأخلاقية، واعتبارات النزاهة والأمانة جاءت في عهد هذا الوزير دون غيره!
تلك الاستقالة المشبوهة التي فتحت شهيّتنا لتوجيه الأسئلة حول السبب وراء هروبه من المساءلة السياسية، وعن سلوكه الغامض أثناء فترة الاستقالة، في وقت كان بإمكانه توظيف الطلب لتبيان «براءته»، وبما يحمله من «أدلّة» يدافع بها عن نفسه، ليفند الشبهات الكثيرة التي تحوم حول أدائه الوزاري المضطرب! طبعاً لم يفعل ذلك، بل استمر في تأكيد وضعه المشبوه عبر إقراره -أثناء فترة استقالته- لجملة من التعيينات التي شملت تبنيه ترقيات غير مستحقة لأسماء تحوم حولها الكثير من الشبهات فيما يتعلق بمشكلة الداو! وأيضاً تجاهل أسماء بعض القيادات النفطية المتورطة، حين أحال بعض الأسماء للنيابة العامة بطريقة فيها الكثير من اللبس والغموض أيضا! وأيضاً إنهاء خدمات مستشارين كان لهم رأي واضح تؤكد الشبهات على الوزير المستقيل وبعض من طالته الترقيات!
نقول لهذا الوزير المستقيل أين كنت طيلة الأشهر الثلاثة عشر منذ تسلّمك الحقيبة الوزارية في فبراير 2012 من كشف الفضائح التي طالت القطاع النفطي جهاراً نهاراً، خاصة عقد الداو الذي كُتِبَ ليُلغى حسب جملة من المؤشرات؟! وإن كان فعلاً يريد تبرئة ساحته من المساءلة الجنائية، فأين كان طيلة الفترة السابقة من حماية المال العام وإيقاف النزيف الهائل، وهو يحمل صفة رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول ووزير النفط في وقت واحد؟! لماذا لم يستخدم صلاحياته في التحري والتحقيق الميداني ليبيّن للرأي العام كيف تم توقيع مذكرة تفاهم تحمل بنودا غير ملزمة هي (من البند 13 إلى 22)، لنكتشف لاحقاً أنها تشمل بند التحكيم الدولي دون علم مجلس الإدارة، وخلافاً لرأي أعضائه في الجلسات التي سبقت التوقيع مع شركة الداو؟!
لماذا لم تصل تحريات الوزير المستقيل إلى محاضر جلسات مجلس الإدارة واجتماعاته، ليكتشف بنفسه أن الفريق القانوني المفاوض الذي غاب أشهرا ستة ليأتي شارحاً أهم بنود الاتفاق مع الداو دون أي ذكرٍ صريح للشرط الجزائي؟! أليس في الأمر من الشبهات ما فيه؟! لماذا لم توصله تحرياته إلى أن المكتب الاستشاري المعتمد الذي مثّل الطرف الكويتي كان يمتلك أسهماً في الداو كيميكال، مما يفقده مبدأ الانحياز للطرف الكويتي؟! وكيف لهذا المكتب أن يتكرر اسمه كمعتمد لدى مشاريع عدّة دون غيره من بقية المكاتب الاستشارية العالمية الأخرى؟! أليس في الأمر من الشبهات ما فيه؟!
لقد غيّب الوزير الهارب من الاستجواب الكثير من الحقائق، وكرّم من لا يستحق قبل تركه المنصب، وخلق في القطاع النفطي جواً ومناخاً غاية في السلبية لا يستطيع العيش به سوى من أهمل قيمه ومبادئه لصالح منافعه الضيقة، لذا نقول جاء وقت المساءلة والمحاسبة الجنائية أمام القضاء الكويتي العادل، فأين المفر؟!
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق