يبدو أن بعض نوابنا الأفاضل يتناسون أن الديموقراطية تتضمن، في جوهر معناها، «فن إدارة الخلاف مع الخصوم»، والبحث عن أكبر عدد من النقاط المشتركة، وليس التمترس وراء الأنا المتضخمة، حتى لو كانت تحتمي بـ «الأغلبية»! أولاً، لأن «الأقلية» مهما صغر عددها ليست من «معسكر الأعداء»، والعياذ بالله، بل تمثل رقماً «وطنياً» مهماً في بناء البلد. وثانياً، لأن أحداً لم يقل إن أكثرية العدد في حد ذاتها تمنح الأغلبية صك الصواب بالضرورة، وتنزعه من الأقلية على الدوام، فالحقيقة الوطنية لا يحتكرها أحد، وارتقاء الوطن هو دائماً حصاد أبنائه جميعاً، الأقلية والأغلبية على السواء!
ليس من حق نوابنا الأفاضل إذن أن يحوِّلوا قاعدة عبدالله السالم «التاريخية» إلى حلبة للمصارعة العبثية، ومسرح لتبادل السباب والإهانات، من دون اكتراث بتأثير هذه المشاهد على أبنائنا الجالسين أمام شاشات التلفاز في البيوت، وبغير مبالاة بمستقبل الكويت التي تئن من انصراف نوابها عن مصالحها العليا، وإهمالهم خطط تنميتها التي لا تكاد تخرج من نفق التعطل، حتى تدخل في نفق أعمق، في حين ينتظر الشعب (في سأم) أن يشرع «عقلاء المجلس» في نفخ هواء جديد في شراع الوطن، والإبحار به إلى ساحل الإنتاج والتنمية والتقدم!
يجب أن يعلم ممثلو الأمة أنهم بكل معركة يفتعلونها في قاعة المجلس، وبكل حريق يشعلونه تحت سقفها يمس وحدتنا الوطنية، إنما يدفعون بنا إلى حافة اليأس من الديموقراطية، حتى بدأنا نسمع دعوات لتعليق البرلمان، بعد أن حوله بعض سياسيينا وإعلاميينا إلى ساحة للمبارزات العبثية والمحاربة الـ «دون كيخوتية» لطواحين الهواء، بحثاً عن أمجاد مزيفة، أو مصالح شخصية، أو أجندات خاصة، مثيرين الغبار في عيني الوطن وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً!
وإذا كانت الأغلبية البرلمانية تحاول استغلال كثرتها العددية في الضغط على الحكومة من جانب، ومحاصرة الأقلية من جانب آخر، فإن من الواجب على الحكومة أن تواجه «تسلط» الأغلبية بقوة وحزم، في إطار القانون، وألا تتحرك في ساحة العمل العام بخطوات مترددة وأيد مرتعشة. أما نواب الأقلية، فعليهم الثقة بدورهم في البناء والتقدم، والتشبث بتحقيق رسالتهم الوطنية، بوصفهم رقماً حقيقياً في صناعة المستقبل، فلا ينزلقوا إلى الشعور بـ «الدونية» أمام الأغلبية، وألا يبالغوا في إعطاء أنفسهم مكانة أكبر مما يستحقون.
وإذا كان بعض الكويتيين قد غمرهم اليأس من ممارسات بعض نواب المجلس، فإن ذلك ينبغي ألا يجعلهم يكفرون بالديموقراطية ذاتها، أو يؤثرون السلامة بتعليق البرلمان. فالواجب الوطني يُملي علينا أن نطور ديمقراطيتنا في كل مجالات المجتمع، بدءاً من الأسرة والمدرسة، وانتهاء بالحكومة والمجلس. فهذا وحده طريق العلاج، لأن إصلاح الديموقراطية لن يتحقق أبداً إلا بمزيد من الديموقراطية!
أ.د. معصومة أحمد إبراهيم
Dr.masoumah@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق