وقعت الواقعة كما توقع الموقعون فجاءت لهم نفعاً وللمعترضين صفعاً … هكذا جاءت نتيجة التحكيم الدولي حكماً يلزم الكويت بدفع 2.16 مليار دولار تعويضاً لشركة ” الداوكيميكال ” نتيجة إلغاء عقدها مع إحدى شركات مؤسسة البترول الكويتية .
وللتذكير فقط فإن الحكومة ألغت هذا العقد بعد إبرامه في العام 2008 تحت وطأة الضغط من كتلة العمل الشعبي والتهديد باستجواب رئيس الحكومة آنذاك ناصر المحمد , وهي كانت المرة الأولى التي وصلت فيها المعارضة الى حدود مساءلة رئيس الحكومة ومن هناك كرت السبحة . وللتذكير, أيضاً, فإن المواجهة كانت بين الحكومة ووزير نفطها محمد العليم وخلفه الحركة الدستورية مقابل التكتل الشعبي .
من الأسئلة المحيرة حينها وما زال : لماذا استسلمت الحكومة للضغط بالإلغاء رغم أنها كانت تملك أكثرية في مجلس الأمة? مم خافت الحكومة أم أنها سايرت وشاركت بالتواطؤ تحت ستار الخوف من المساءلة وظهرت بمظهر العاجز ليس أمام المعترضين وحسب ,بل أمام ربعها أصحاب المشروع ?
لسنا في الموقع القانوني الصالح, لكن من منظور عام, نرى أن المسؤولية في الجرم موزعة بين من أصر على تمرير الصفقة والتوقيع بعيداً عن الآليات الاستشارية والرقابية المتعارف عليها, لاسيما الشق القانوني والبند الجزائي الخيالي الذي يفترض وجود ما يوازيه من حرص على المصالح الوطنية , مما أوحى حينه وكأن الأمر متعمد للوصول إلى النهاية المأسوية التي وصلنا إليها نتيجة التحكيم الدولي . أما الجزء الآخر من المسؤولية فيتحمله الفريق المعترض الذي أقام الدنيا ولم يقعدها ضاغطاً لإلغاء العقد رغم علمه بمحاذيره وكلفته الباهظة .
صحيح أن الذروة كانت في غرامة ” الداو ” اليوم ونتمنى أن تكون الدرس الأخير , لكنها لم تكن الأولى, وهناك مسار طويل من هذا التطاول واستسهال التحايل على الدولة بالتواطؤ مع المتنفذين في العديد من الإدارات , هناك المئات من ملايين الدنانير التي جرى تكسبها تحايلاً في البلدية والكهرباء والأشغال من خلال دعاوى أقامها مدعون بالتضرر على جهات حكومية ” أخلت ” بتعهداتها … إنها وبمنظور قانوني بحت جريمة احتيال موصوفة وكاملة الأركان .
اليوم وصلنا إلى العالمية في رقم لم يسبق أن تم تسجيله كتعويض عن مشروع لم ير النور , اليوم فعلاً وصلنا الذروة وعبثاً نراهن على الحكومات أو حتى المجالس بالإصلاح, ولنكن منطقيين بجعل الهدف متواضعاً ليصبح وقف التسيب والانحدار , من خلال هيئة تطوعية أهلية تضم متخصصين مشهود لهم من أهل الاقتصاد والقانون تعمل على رصد عملية السطو المنظم على المال والحق العام ونشره على الرأي العام .
معلوم أن الخسارة ليست مادية فقط, بل ومعنوية أصابت الدولة بهيبتها ومصداقيتها وعدم جديتها عندما تعاطت مع مشروع بهذا الحجم بخفة وبهذا المستوى من الاستهتار . من هنا فإن المطلوب اليوم وزيادة في تظهير الآثار المترتبة على هذا الكارثة , إجراء دراسة تقديرية لنتائج وعائدات الصفقة فيما لو استمرت من مختلف الجوانب, سواء لجهة الأرقام الكبيرة التي كانت ستدخل الخزينة وفق ما يراه البعض , أو لجهة المكاسب التي كانت ستحققها شركة “الداو” لجهة تعويمها وإنقاذها وتقييم ” الخردة ” التي كانت تملكها حسبما يدعي المعترضون !
منذ أن أعلنت نتائج التحكيم تبارى النواب والسياسيون في توزيع تحميل المسؤوليات وتحميل الخطيئة بين من سعى للصفقة ووقع العقد وبين من سعى الى الغائه , ارتفع الصخب كالعادة وكان كل هذا الغضب الذي أثير وهو فعلاً بحجم هول الخسارة إلا أننا نميل إلى الاعتقاد بان المعركة متجهة نحو فرط الأغلبية كهدف حكومي يخفف الضغوط عنها وترمي كرة النار في ملعب المعارضة لتتحول سهاماً بين أطرافها واتهامات متقاذفة .
* كاتب كويتي
al_bander@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق