سامي الخرافي: تناكر

لا شك أننا عندما نتحدث عن معاناة المواطن والمقيم، أو ننتقد قضية من القضايا، فإن هدفنا الأول والأخير هو إظهار مواطن الخلل لمعالجتها من منطلق «كل مواطن خفير»، وليس الهدف الانتقاد بحد ذاته، والاكتفاء فقط بالإشارة للمشكلة دون إيجاد حل لها.
ما جعلني أتحدث عن ذلك هو سؤال يراودني منذ فترة طويلة يتعلق بظاهرة انتشار «التناكر» في بعض مناطق الكويت، فلماذا يلجأ المواطن لجلب «تنكر الماي» إلى بيته ونحن في القرن الـ 21؟ رغم أن الكويت دولة غنية، ولله الحمد، وبكل المقاييس، ولديها القدرة على معالجة أي خلل في ذلك وبسرعة.

لو رجعنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء لعرفنا أن أهل الكويت كانوا يعتمدون على الأمطار لتأمين احتياجاتهم من المياه، وهناك من كان يقوم بحفر «بركة» في منزله بهدف الاستفادة من مياه الأمطار التي تنزل على تلك المنازل، للاستفادة من هذه المياه، وكذلك قاموا بحفر الآبار لسد احتياجاتهم المتزايدة من المياه في مختلف مناطق الكويت، حتى إنهم قاموا بجلب المياه من شط العرب عن طريق «سفن شراعية».

وفي بداية الخمسينيات قامت الحكومة بإنشاء محطة تقطير الشويخ من أجل تزويد السكان بالمياه العذبة، ومع تزايد عدد السكان قامت الحكومة أيضا بإنشاء المزيد من محطات تقطير المياه لتزويد المستهلك بهذه المياه وسد حاجة المواطن عن طريق التناكر.

وما بين فترة الخمسينيات وهذه الأيام ما الذي تغير علينا؟، أعتقد أننا لا نزال نعيش كما كنا في ذلك الزمن، ونعاني من قلة في المياه، ومازالت «التناكر» تتجول في بعض مناطق الكويت أكثر من تكاسي الجوالة.

ألم يحن الوقت بعد كل هذه السنوات أن تجد الحكومة حلا جذريا لمعالجة قلة المياه، وانقطاعها عن بعض المناطق خلال فترة الصيف منذ سنوات؟، ألم يحن الوقت لوضع «التناكر» في المتحف كمعلم قديم من تراث الكويت؟.. فكثير من المواطنين لا يزالون يعانون من انقطاع المياه المتكرر في مناطق مختلفة، ونقرأ في كل يوم تصاريح مالها أول ولا آخر عن أسباب انقطاع المياه، ولن أخوض في المبررات لأن الكل يعرفها ولا داعي لتكرارها والناس ملت منها، لكن ما يبط «الچبد» ويفقع المرارة معرفة المسؤولين لحل هذه المشكلة ولا يقومون بذلك.

إن إنشاء محطات تقطير مياه جديدة كان ولا يزال مطلبا مهما وضروريا، وهو وحده الكفيل بإنهاء المشكلة والقضاء على ظاهرة «التنكر»، التي باتت من مخلفات الماضي في كثير من الدول ليست أغنى من الكويت وليست لديها إمكانيات كالكويت، وهو ما يفسر أن هناك فسادا إداريا، وأشخاصا متنفعين لا يريدون الخير لديرتنا ولا إلى أهلها.

فهل يعقل الآن وفي دولة مثل الكويت لا تستطيع أن تستفيد من مياه البحر وأن تبني محطات تقطير مياه تكفي حاجة المواطنين؟ وهل يمكن لأحد أن يصدق أن حكومتنا عاجزة عن حل هذه المشكلة؟ وهل يعقل أن يقول أحد المسؤولين عن توزيع الماء في إحدى المضخات، ومن الجنسية الآسيوية، لأحد المواطنين «تبي تنكر أدفع زيادة»، ألهذه الدرجة وصل الجشع والطمع والتلاعب بحاجات الناس من مسؤولي المضخات وأصحاب التناكر؟

ما نريده من مسؤولي وزارة الكهرباء والماء أن يسارعوا إلى حل هذه المشكلة المزمنة، فقد دخلنا في فصل الصيف، وارحموا الناس واشعروا بمعاناة أبناء ديرتكم، وسالفة الترشيد التي صرف عليها أكثر من هدر الماء أعتقد ما منها فايدة في دولة حارة مثل الكويت، نريد حلولا مفيدة وعملية.. والقضاء على زمن «التناكر»، فهل يمكن ذلك؟

samy_elkorafy@hotmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.