نبيلة العنجري: قياديون في برج عاجي

من أسرار نجاح تجربة دبي المشهود لها أنها تنتمي إلى عقلية تتبنى سياسة الأبواب المفتوحة، التي تقرِّب بين المسؤول والمواطن، وليس العكس.

في موقف طريف يعكس حكمة القيادة وحسن التفكير، يقال إن الشيخ محمد بن راشد قام بزيارة مفاجئة إلى إحدى الإدارات الحكومية في دبي، فوجد أبواب المسؤولين فيها مغلقة، فما كان منه إلا أن استدعى نجاراً وطالبه بإزالة جميع هذه الأبواب فوراً.

ولا يخفى على أحد أن الشيخ محمد بن راشد نموذج للقيادي الناجح، فقد تمكّن خلال سنوات معدودة من الانتقال بدبي من إمارة صحراوية قاحلة إلى مركز مالي وتجاري وثقافي وسياحي، فاق كل التوقّعات وتعدّى كل المقاييس، وأصبحت دبي قبلة للباحثين عن الصفقات الاقتصادية والمشاريع المليارية، كما صارت مقصدا رئيسيا لهواة التسوق وممارسي الرياضات العالمية.

وبالتفحّص في مدلول ومغزى الزيارات المفاجئة فسنجد أنها كالمرآة، تعكس الصورة الحقيقية للعمل والإنجاز، كما أنها تكشف المهملين والمتكاسلين، خصوصا إذا لم تكن زيارات مفتعلة، كتلك التي تصورها الأفلام المصرية عندما يقوم مسؤول بزيارة مدرسة، فتظهر مزينة ومزخرفة، والعمل يسير فيها على قدم وساق، لأن هناك من أبلغ عن تلك الزيارة مسبقا.

وبالعودة إلى ما قيل عن موقف الشيخ محمد بن راشد من الأبواب المغلقة، فإن ذلك الموقف يعكس حرص القائد على ألا تكون هناك حواجز بين المسؤولين والموظفين، ليكون الجو مهيأ للعمل والإنجاز تحت شعار المصداقية والشفافية، بالإضافة إلى تمكين المسؤول من رصد مشاكل الموظفين واحتياجاتهم، وفي الوقت نفسه الاستفادة من رؤاهم وأفكارهم. وهذا الموقف يذكرنا بالصورة المضادة التي نراها عندما نقصد مكتب أحد المسؤولين الحكوميين في الكويت، فعندما تريد مراجعة وكيل مساعد في أي وزارة أو مدير لأي إدارة، تجد نفسك أمام 3 حواجز حديدية، تشبه مراكز التفتيش البوليسية، فهناك طابور ضخم من السكرتارية، وإذا ما تمكّنت من تجاوزه تصطدم بمكتب المسؤول بما يضمه من عناصر تتلذذ باتباع الروتين وتعطيل المصالح، وبعد عناء قد تصل إلى الحاجز الثالث، حيث يقبع خلف كل هؤلاء مدير المكتب.

كل هذه الحواجز تعزل المسؤول خلف أبواب مغلقة، وتجعله يعيش داخل شرنقة، «لا يهش ولا ينش».. وللأسف، قد لا نلمس له وجودا إلا من خلال حرف «الواو»، وطريقة حب الخشوم وحسابات المصالح الشخصية.

في الإدارة الحديثة أصبح نظام العمل يعتمد على الحواجز الزجاجية بين جميع العاملين، فيستطيع المسؤول أن يرصد أي مشكلة فور وقوعها، ويسارع الى التدخل لحلها، وهذا ما نراه في البنوك والشركات الكبرى، أما عندنا، فللأسف معظم من يتولون المناصب القيادية يصلون إليها عن طريق الواسطة، وهم لا يدركون أبجديات العمل، فيتخندقون خلف متاريس من المكاتب والسكرتارية والمستشارين، حتى لا ينكشف المستور، ويتعرى أمرهم!

أعتقد أنه آن الأوان لوضع كاميرات في كل المكاتب والممرات داخل الإدارات الحكومية، فمكان العمل ليس بيتا ولا ديوانية يتجمع فيها «الربع» للمزاح والسوالف أو الالتفاف حول موائد الطعام، ولا هو مكان للغراميات وتبادل «الواتس ابات» والصور بالهواتف، بينما مصالح الوطن والمواطنين مكدّسة داخل الأدراج.

نتمنى من القائمين على جهاز متابعة الأداء الحكومي، أن يقوموا بزيارات مفاجئة حقيقية، ليطلعوا بأنفسهم على فشل وتقاعس وفساد الكثير من المسؤولين في مختلف الجهات، ويحققوا طفرة عملية من خلال مكافأة المجدين، وفي المقابل عزل الفاسدين والمتخاذلين. فهل لنا أن نرى ذلك، أم أن موظفي ذلك الجهاز هم أنفسهم يحتاجون إلى من يراقب عملهم ويحفز هممهم؟!

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

نبيلة مبارك العنجري
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.