عواطف العلوي: نور.. أطفأ نورَها استهتارٌ طبّي..!

قرأتُ مرة للدكتور حسان حتحوت -مؤسس قسم الأمراض والولادة في كلية الطب في الكويت رحمه الله- مقولة لطيفة خاطب فيها طلبته الدارسين في قسمه: «كل أقسام المستشفيات وغرف عملياتها يدخلها المريض الواحد وقد يخرج واحدًا كما هو وربما لا يخرج منها، إلا أقسام الولادة، تدخلها المريضة الواحدة وتخرج منها اثنين أو ثلاثة، وربما أربعة أو أكثر!
أما ما حصل مع نور الكندري، الكويتية الشابة التي لم تكمل ربيعها الثاني والعشرين، فقد دخلت غرفة الولادة لتنجب ابنتها البكر، ولم تخرج منها! توفيت إثر نزيف حاد في مخها تَرتّب على ارتفاع ضغط شديد لديها تجاهَله الأطباء غير عابئين بصراخها وضربها لرأسها بيديها من شدة ألم الصداع طوال فترة الطلق، معللينه باستهتار أنه من علامات الطلق الطبيعية!
حتى دخلت في غيبوبة لأسبوع كامل فاضت روحها بعده إلى بارئها، مخلِّفة وراءها وليدة يتيمة وزوجًا أرملا وأماً ثكلى، في يوم كان يفترض به أن يكون أسعد أيام حياة تلك الأسرة..!
ومثل نور رحمها الله كثيرون فقدناهم، منهم من اكتشَف ذووهم الخطأ، ومنهم مَن لم يكتشفه، بدءًا من التشخيص مرورًا بالعلاج إلى التمريض، وكله يحدث دون مساءلة أو نظم صارمة للمراجعة الإكلينيكية ولا حتى مجلس طبي لديه سجل شامل بأداء ومتابعة الأطباء!
الأخطاء الطبية القاتلة، مشكلة عالمية لا يخلو منها بلد مهما بلغ من التقدم والتطور، لكن الفرق بيننا وبينهم هو معدلات ارتكاب تلك الأخطاء، والاحتياطات والضوابط التي يُلزَم كل طبيب هناك باتباعها وعدم الحياد عنها قبل وأثناء علاج المريض، ودقة الإحصاءات بشأنها، وحزم العقوبات المطبَّقة، وارتفاع الوعي هناك بحقوق المريض الذي يقع عليه الضرر جرّاء تلك الأخطاء..!
حين يقع خطأ طبي في أميركا ومثيلاتها، يكون هناك تعويضات بالملايين لأصحاب الشأن في حال رفع دعوى قضائية على المستشفى أو المركز الطبي الذي ارتكب فيه هذا الخطأ، ليكون رادعًا يحد من نسبة وقوع تلك الأخطاء، ودافعًا لمزيد من العناية والحرص على أرواح الناس، بينما تم برمجتنا هنا على الاكتفاء بالحسبلة والحوقلة والحمد والاسترجاع، وهذا قضاء وقدر، وعفا الله عما سلف..!
المتضرر هناك لا يُثنَى عن المضي قُدمًا في تقديم الشكوى ورفع الدعاوى على الطبيب المخطئ، بل يُشجَّع ويجد من يرشده إلى الدرب الصحيح للتقاضي وطلب التعويض، أما هنا فتلاحقه الاتصالات والوساطات لثنيه عن رفع القضية، إما بالتوسل أو بالتهديد أو بإقناعه وإحباطه بعدم جدوى الشكوى..!
ضحايا الأخطاء الطبية هنا يصطدمون بعوائق كبيرة خلال خوض معركتهم القضائية، بسبب غياب قانون يضمن لهم حقوقهم، وامتلائه بثغرات يستغلها الطبيب المخطئ للتملص من مسؤوليته ولنفي التهمة عنه، بجانب تقاعس معظم المستشفيات عن التعاون معهم وتزويدهم بالتقارير اللازمة لإثبات الخطأ الطبي، بل يصل الأمر إلى إخفائها أو تعديلها والتلاعب بما جاء فيها من بيانات!
حقيقةً، لا أدري ماهي نسبة الأخطاء الطبية التي ينتظر المسؤولون أن نصل إليها حتى يستشعروا القلق من عواقبها!
وإلى أن يصلوا إلى تلك المرحلة أقترح تعديل اسم (وزارة) الصحة.. إلى (جزارة) الصحة..!

mundahisha@gmail.com
@mundahisha
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.