لا شك ان الذين تسببوا في خسارة الكويت بأكثر من ملياري دولار نتيجة القبول بشروط لا تتفق ومعايير الاتفاقيات الطبيعية وخارجة عن أصول المهنية القانونية من كبار الموظفين والمحامين يستحقون اللوم والمساءلة، لكنهم يبقون محصنين بعض الشيء كونهم ربما كانوا في حالة ثقة كبيرة في جدوى المشروع وآثاره الاقتصادية الايجابية على البلد من ناحية كونه سوف يحقق أرباحاً مالية، في الوقت نفسه سوف يكون سوق عمل ضخمة باستطاعتها ان تستوعب أيادي عاملة كويتية تقدر بآلاف الوظائف.
استناداً على هذه الثقة التي بالتأكيد لم تكن قادمة من فراغ باعتبار ان الذين وافقوا على تلك الشروط بالتأكيد كما يفترض ان لهم باعاً طويلاً في معرفة مثل هذا النوع من المشاريع من الناحية الفنية، وكذلك جدواها الاقتصادية والاستفادة منها كمشروع تشغيلي لقطاع واسع من الأيدي الكويتية التي سوف تدخل سوق العمل مستقبلاً.
لكن الذي لم يكن على البال ولا على الخاطر ان يصطدم المشروع بالجهة الوحيدة التي تملك رفضه وايقافه وهو مجلس الأمة حتى بعد ان قدمت له الدراسات الفنية التي تشيد بجدواه الاقتصادية ومنفعته كسوق عمل لاستيعاب آلاف الشباب وحتى بعد التعهدات السياسية التي قدمها وزير النفط آنذاك السيد محمد العليم.
ان النية كانت مبيتة للرفض من أجل الرفض ولا شيء سواه تماماً مثل الممارسة التي يمارسها بعض النواب اليوم في تعاطيهم مع حق الاستجواب ومشروع طرح الثقة، حيث تجهز توقيعات النواب العشرة الذين يطالبون بطرح الثقة من الوزير قبل سماع ردوده على محاور الاستجواب مهما كانت هذه الردود على كفاءة عالية من الاقناع!
إذاً ان كانت هناك ثغرة من الممكن ان ينفذ منها اللوم وتحرك من خلالها المساءلة للفريق الذي تولى المفاوضات مع شركة «الداو كيميكال» من فنيين ومحامين من الجانب الكويتي، فان الجدار هنا مفتوح على آخره لمساءلة الجهة التي استطاعت وقف المشروع على الرغم من التحذيرات من مغبة الوقوع في شق الشرط الجزائي الذي سوف يطبق فوراً على الجهة التي تقوم بالغاء العقد والذي يشكل ما نسبته %30 من قيمة المشروع أي ملياري دولار، اضافة الى فقدان البلد لمشروع اقتصادي عملاق سوف يحقق له دخلاً مادياً معتبراً ويستوعب آلاف الأيادي الوطنية القادمة لسوق العمل.
ان النواب الذين تولوا قيادة اسقاط مشروع «الداو كيميكال» هم أكثر من آذوا اسماعنا في الصراخ ليل نهار عن المال العام يا طلابة المال العام والمصلحة العامة، يا طلابة المصلحة العامة وأخيراً «إلا الدستور» أحمد السعدون ومسلم البراك وفيصل المسلم، هذا الثلاثي الذي تولى اسقاط مشروع «الداو كيميكال» وتسبب بصدور قرار من الهيئة التحكيمية العالمية بالزام الكويت بدفع مبلغ الشرط الجزائي الوارد في العقد البالغ %30 من قيمة المشروع وهو مليارا دولار فقط لا غير! هذا ناهيك عن المبالغ التي كانت سوف تحصل عليها الكويت لو لم يتم الغاء المشروع كأرباح سنوية، كما هو حاصل الآن للشقيقة المملكة العربية السعودية بعد ان حولت شركة «الداو كيميكال» وجهتها اليها، حيث وافقت على الفور بعد ان وجدت ضمانة في الجدوى الاقتصادية للمشروع ومكانا تشغيليا ضخما لآلاف الايدي السعودية القادمة الى سوق العمل.
إذاً هؤلاء الثلاثة الذين تولوا زمام معارضة المشروع ثم اسقاطه وبالتالي في الزام البلد بتنفيذ شق الشرط الجزائي البالغ ملياري دولار اضافة الى ما كان متوقعاً من أرباح في حالة تشغيل المشروع، يفترض ان يتحملوا المسؤولية كاملة لجهة معرفة أسباب ذلك الحماس والتشنج في معارضة المشروع الذي اتضح فيما بعد انه تسبب بهذه الخسارة الفادحة للبلد مادياً وعلى صعيد السمعة في الدوائر الاقتصادية والقانونية لدى دول العالم واظهار الكويت كإحدى الدول التي لا تحترم التزاماتها تجاه الوعود والعقود!
اننا اليوم على ثقة تامة، في ظل هذا المجلس الذي تتشكل غالبيته بعناصر المعارضة الجديدة التي تعارض نظام البلد، حيث تريد نزع أسنان الدستور وبرئاسة التي تسير على هوى هذه المعارضة كونها مدانة بالفضل لها لتمكينها من كرسي الرئاسة، فان احداً من الحكومة لن يفتح سيرة الخسارة المادية الضخمة التي تكبدها البلد نتيجة اسقاط المشروع. لكننا على الأقل نريد معرفة سبب ذلك الحماس الذي واكب تلك المعارضة ولربما قد تعثر الحكومة على جواب: بأن وراء الأكمة ما وراءها. فاذا كان الجانب المادي يعوض ومقدور عليه فان من حق الأمة ان تعرف مدى اصالة الضمير في الكفاح ضد مشروع اقتصادي عملاق بحجم «الداو كيميكال» والذي من شأنه ان يكون إحدى ركائز التنمية المستدامة للبلد.. واللا أنا غلطان؟!
سعود السمكه
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق