أثارت مسألة تحفيز القياديين في الحكومة، ممن أمضوا أكثر من ثلاثين عاماً في الوظيفة، على التقاعد جدلاً مستحقاً. ولا شك أن هناك تكلفة مالية مهمة والتي تحددت بدفع ما يعادل خمسين في المائة من الراتب لمدة الخدمة للوكلاء والوكلاء المساعدين ممن يقررون التقاعد قبل نهاية يونيو، حيث أن هناك أعداداً مهمة من هؤلاء سيعمدون إلى الاستفادة من هذه الحوافز المالية. لكن هناك أسباباً أخرى مثيرة للجدل من أهمها فلسفة التقاعد في الكويت.
كما هو معلوم أن نظام التقاعد يعتبر من أكثر الأنظمة سخاء في العالم ولذلك فهو مكلف بدرجة غير مسبوقة ويمثل مخاطر إكتوارية في المستقبل، كما يؤكد الخبراء في التأمينات الإجتماعية. هناك التقاعد المبكر للمرأة حيث يمكن لأي من العاملات في الحكومة أن تطلب الإحالة إلى المعاش بعد سنوات قليلة من العمل في الوظيفة الحكومية، وبعد بلوغ الأربعين عاماً. كما أن تمكين الموظفين الذكور من طلب التقاعد بعد مرور ثلاثين عاماً على بداية التوظف يعني نظرياً أن هناك أعدادا كبيرة سوف تتقاعد بعد بلوغ الخامسة والخمسين من العمر، وهذا عمر مبكر للتقاعد ومن ثم يزيد أعداد المنخرطين في التقاعد ويزيد التكاليف على التأمينات الاجتماعية.
أهم من ذلك أن هناك عدداً من هؤلاء العاملين ممن قد طوروا من قدراتهم المهنية وإبداعاتهم في العمل بعد بلوغ هذه السن، وبما يعزز من تحسين الأداء في دوائرهم ومجالات عملهم وتمكين مساعديهم من الاستفادة من قدراتهم.
ما يجب توضيحه في موضوع التقاعد أن البلدان المتقدمة تحدد مواعيد التقاعد بالعمر، مثل: «ستون عاماً أو خمسة وستون عاماً»، وليس بمدة الخدمة. وقد عملت بلدان مثل فرنسا وكندا وغيرها على رفع سن التقاعد للتخفيف من الالتزامات.
وقد يرى البعض في الكويت أن الأوضاع الديموغرافية في تلك البلدان تختلف عن ما هو سائد لدينا. تلك البلدان تواجه ظاهرة شيخوخة المجتمع السكاني، حيث ترتفع أعداد كبار السن في الوقت الذي تنخفض معدلات النمو السكاني وتتراجع معدلات الخصوبة، ومن ثم فإن أعداد المتدفقين إلى سوق العمل لا بد أن تتراجع وبما يزيد من تكاليف التأمينات الاجتماعية للمتقاعدين.
أما لدينا فإن النمو السكاني مرتفع، وأعداد صغار السن في تزايد مستمر، ويمثل الذين تقل أعمارهم عن العشرين عاماً ما يربو على الخمسين في المائة، كما أن من تقل أعمارهم عن الأربعين يزيدون على الثمانين في المائة من المجتمع السكاني الكويتي، ويضاف إلى ذلك أن فرص العمل للكويتيين في القطاع الخاص تظل محدودة، ومن ثم لا بد من إفساح المجال للشباب لشغل المناصب المتاحة وإحالة من أمضوا ثلاثين عاماً في الوظيفة على التقاعد.
هذه اعتبارات مهمة، ولكن يجب أخذ كل عناصر المسألة بنظر الاعتبار والبحث عن بدائل مهمة، ومنها تطوير قدرات القطاع الخاص على خلق الوظائف الجديدة ودعم المبادرات الخاصة، وتحفيز قدماء العاملين في الحكومة للانتقال إلى العمل الخاص وبما يفيد الاقتصاد الوطني. هذا ناهيك عن أهمية تطوير النظام التعليمي الذي يعزز من مشاركة العمالة الوطنية في أنشطة القطاع الخاص.
عامر ذياب التميمي
باحث اقتصادي كويتي
ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق