من عادتي مساء كل يوم سبت الانضمام إلى الجمع الكريم من الأصدقاء والإخوة في ديوان الأخ العزيز أحمد المليفي وزير التربية ووزير التعليم العالي السابق، وعضو مجلس الأمة الحالي، وذلك في منطقة العديلية، والعلاقة مع الأخ العزيز “بو أنس” علاقة قديمة، فقد سعدت برفقته برحلة من أمتع الرحلات عند زيارته إلى فنزويلا مع وفد الصداقة البرلمانية التي ضمت أيضا كلاً من د. ناصر الصانع عضو مجلس الأمة السابق، ود. عبدالله الشايجي المستشار في المجلس في ذلك الوقت.
وقد شملت الرحلة كلاً من منطقة “كانايما” أو الحديقة الطبيعية، وهي من أجمل المناطق الطبيعية في العالم، ثم توجهنا إلى جزيرة “مارغريتا”، ومنها إلى مدينة كراكاس، حيث سعدت بإقامة الوفد معي في مقر رئيس البعثة.
في الأسبوع الماضي وقبل وصولي إلى ديوان المليفي مررت على المبنى الذي كان يضم كلية الحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية، فشدني الحنين إلى تلك السنين الخوالي أيام الدراسة الجامعية التي أنهيتها عام 1972، فوجدتني أدير الدفة إلى مدخل ذلك المبنى الذي يقع في منطقة العديلية، وقد تحول إلى “كلية للبنات”، وأول ما هالني لوحة كبيرة تحمل عبارة “يرجى إبراز الهوية الجامعية”؛ مما دفعني للتساؤل: هل نحن أمام جامعة أم ثكنة عسكرية؟ ومن المقصود بتلك العبارة: الطالبات، الأساتذة, الإداريون؟ وما حجم الجهاز الأمني الذي سيقوم بهذه المهمة على مدار الساعة.
أوقفت السيارة على جانب الطريق، ونزلت منها واقتربت من المدخل وأنا أشعر ببعض الرعب من سماع كلام غير لائق من رجال الأمن، ولكن ولله الحمد كان الجميع على ما يبدو في استراحة… نظرت إلى داخل الكلية وجلت بنظري أبحث عن تلك الحديقة الرائعة التي كانت تقع في مدخل الكلية، وتفوح من أرجائها رائحة القرنفل والبنفسج، وكانت ملتقى لنا مع أصدقاء وإخوة أعزاء من أمثال الأخ الفاضل بدر الحميضي والسفير سليمان المرجان والأخ الكريم مبارك العتيبي، والأخ الفاضل يوسف الجاسم، والأخ الكريم إبراهيم الشهاب وغيرهم من إخوة كرام يطيب الخاطر بذكراهم. أما علاقتنا مع أساتذتنا فقد كانت تتميز بصداقة راقية مع التقدير والاحترام، خاصة أنهم من فطاحل عالمنا العربي من أمثال د. يحيى الجمل، ود. بطرس غالي، ود. أحمد بو إسماعيل، ود. عزيز شكري، ود. وليد الخالدي، وغيرهم لا يتسع المجال لذكرهم الطيب، فلهم الشكر والعرفان والتقدير أين ما كانوا. جلت بنظري أبحث عن تلك الحديقة الغنّاء، وكان أملي أن أراها وقد تضاعفت مساحتها وازدانت بالمزيد من الأزهار والنوافير، ولكن أملي خاب، فقد أزيلت تلك الحديقة وزرع مكانها أكشاك من الكيربي وغرف وخزانات مياه، وترقيع من المباني التي تخلو من أبسط مظاهر الذوق.
ونتساءل: من المسؤول عن اغتيال كل ما هو جميل في حياتنا وبلادنا؟ فأين مدرسة صلاح الدين؟ وأين مدرسة الأحمدية ومن قبلها المباركية؟ بل قبل ذلك وبعده أين “سور الكويت الثالث” الذي بناه أهل الكويت كلهم بلا استثناء، وذلك في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح رحمه الله في معجزة أذهلت الجميع، حيث أنجز بناؤه خلال شهرين فقط، حيث بدأ العمل بتاريخ 1920/7/14، وقد تجاوز طوله 7 كيلومترات، وارتفاعه 5 أمتار، وسمكه 4 أمتار، ويشتمل على خمس بوابات، إضافة إلى بعض القلاع في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه عمالة وافدة ولا معامل طابوق ولا سيارات نقل، بل كانت العزيمة وحب الوطن، فشمر الجميع عن سواعدهم في مظهر رائع امتزجت فيه كل مكونات المجتمع الكويتي.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
***
القدر يهز الجبل
وقفت مع أخي العزيز سليمان العنيزي في صفوف المعزين في “حسينية معرفي” بمنطقة شرق نظرت إليه قبل الدخول، نعم إنه الإنسان عبدالحسين عبدالرضا أحد القمم وأعمدة الفن في الكويت. إنه الفنان الأصيل الذي أدخل الضحكة الراقية إلى القلوب، ورسم البسمة على الشفاه، جلس مستسلماً لقضاء الله وقدره، فحتى الجبال لا تملك رد القضاء، حاول الوقوف ولكن لم تقوَ قدماه على حمله، فالمصاب جلل، أخي “أبوعدنان” ليس هذه كلمات تعزية، فلو أردناها كذلك لما كادت تكفي صفحات “الجريدة” بأكملها، ولكنه دعاء من القلب للرحمن القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويلهمكم وأهله الكرام جميل الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق