نبيلة العنجري: شدوا الحزام

ثلاث سنوات لو اختصرنا فيها العطايا للخارج، ودفع الشعب ما عليه، وركزنا اهتمامنا على تنمية الداخل، فأنا واثقة من أننا سننجز الكثير، وسنعوض التبذير الحاصل.

كلمة «ترشيد» صارت تتردد كثيراً خلال الأعوام الأخيرة، فالحكومة تطالبنا كل يوم بترشيد استهلاك الكهرباء والماء بسبب الأزمات المتتالية في الطاقة، ولكن المثل يقول «فاقد الشيء لا يعطيه»، فكيف لحكومتنا أن تطالبنا بالترشيد وهي تتربع فوق قمة هرم التبذير؟

بحسبة بدو بسيطة، سنجد أنفسنا أمام مبلغ ضخم من الهدر بالمال العام، قد يصيبنا عدد أصفاره الكبير بالذهول، وقد لا نستطيع نطقه إلا بعد تلعثم وتردد.

حكومتنا بارعة في توجيه المنح والعطايا إلى كل دول العالم لبناء المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والماء والمدن الجديدة وشق الطرق، بينما نحن «نتفرج»، لا تنمية ولا تطوير. المنح التي قدّمها الصندوق الكويتي للتنمية العربية حتى شهر يناير الماضي بلغت 661.469.270 ديناراً، أي ما يفوق ملياري دولار. أما القروض الميسرة التي يقدمها الصندوق بفوائد بسيطة وعلى سنوات طويلة، فتبلغ أرقاماً مهولة هي الأخرى.

لسنا ضد مساعدة المنكوبين والمحتاجين، فهذا الأمر يفرضه علينا الدين والعادات الأصيلة التي تربينا عليها، لذا فلم نتطرق إلى المساعدات التي قدّمتها الكويت إلى الدول المنكوبة جراء الكوارث والحروب، ولكن الهدر الذي نتحدث عنه يضرب في كل الجوانب، ولم يقف عند حد المنح والعطايا غير المبررة، فها هو العلاج بالخارج يلتهم مبالغ طائلة على رحلات علاجية لكثير من المتنفذين وأقاربهم وأصحابهم، ليست في حقيقتها سوى رحلات سياحية وترفيهية تكلف الدولة ملايين الدنانير على حساب المال العام. وها هي المهمات الخارجية لعدد كبير من المسؤولين لا فائدة من ورائها، اللهم إلا التنفيع والترفيه، ناهينا عن بند النثريات الذي يأكل الميزانيات من دون حسيب أو رقيب، ولا ننس المصروفات السرية، وهو بند لا يعلم قيمته إلا الله.

مليارات خزينة دولتنا الحبيبة ليست عزيزة أبداً لدى حكوماتنا، فالخطط التنموية والمشاريع الخدماتية التي نحلم بها نافذة مشرعة للهدر المقيت، كل مشروع توضع له ميزانية مليونية، لا ينفق عليه منها إلا الفتات بينما تذهب بقية ميزانيته إلى جيوب أصحاب الضمائر المعدومة. وما زال الشعب مصدوماً بالمبالغ الخيالية التي ذهبت لخطة التنمية الوهمية بنحو 37 ملياراً، %40 منها ذهبت مع الريح من دون أن نجد تغييراً أو تطويراً، والأدهى أننا لا نعلم أوجه إنفاقها إلى الآن.

الغريب أننا لم نسمع، ولو مرة، عن توقيف فاسد أو حبس مختلس، فالنهب ممنهج، والهدر لا حدود له، حتى التعاقدات على المشاريع الكبرى مع الشركات العالمية نافذة مشرعة للهدر والفساد، ولم يكن «الداو» إلا مثالا افتضح أمره، وما خفي كان أعظم.

نطلقها مدوية لحكومتنا «حرام فسفستوا الحلال»، كفى تبذيراً على حساب الوطن ومستقبله، نرجوكم «شدوا الحزام» نريد منكم فقط سنتين أو ثلاثاً، نوجه خلالها كل تركيزنا على التنمية في بلدنا، بدلاً من إنشاء المطارات والمدارس والمستشفيات والجسور والطرق ومحطات الكهرباء والمياه والمدن السكنية والمشاريع التنموية في دول أخرى، أرجوكم وجهوها لتنمية الكويت، أرجوك يا صندوق التنمية نريد سنة واحدة أو سنتين للكويت وأهل الكويت. أما إخواني المواطنون، فأقولها لهم «خلاص ضاعت علينا الفلوس، ولكنني أرجو فيكم الخير أكثر من الحكومة، فتعالوا لنكون أكثر وعياً منها وحرصاً على مستقبل هذا الوطن، تعالوا لنسدد كل مستحقات الدولة علينا من فواتير أو مبالغ مستحقة، ولنحافظ على المال العام ولنرفض أي تجاوز عليه».

نعم، علينا أن نقف جميعاً، حكومة وشعباً، لبناء كويت جديدة، لا أعتقد بأن الأمر مستحيل، هي فقط مدة سنتين أو ثلاث «نشد الحزام» خلالها، وسنجد أن لدينا المليارات الكثيرة للبناء والتنمية، بس إن شاء الله ما تختفي مثل ما اختفى غيرها.

«اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد».

نبيلة مبارك العنجري

nalanjari@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.