هديل الحويل: الإعداد للسفر

لنتفق ابتداء على ما يثيره الإعداد لسفر السياحة من إثارة يبعثها في النفس شغف تجربة شيء جديد, وفرحة ممارسة نشاط جديد, ورهبة مواجهة تحد جديد, والخشية من التعاطي مع فشل جديد, وكلمة السر في هذا كله والتي هي المولد الحقيقي لهرمون الأدرينالين الذي يتكاثر في جسد المسافر قبل سفره بأيام قليلة هو كلمة “جديد”, فالطبيعة البشرية تتوق الى المعرفة بكل أنواعها وأحجامها وأبعادها, كما تتوق الى الجمال والراحة النسبية, والأهم تتوق الى كسر روتين الحياة المعتادة, وأسهل الفرائس في وجه أدرينالين ما قبل السفر هم الأطفال, فتجد جميع أيامهم الأخيرة السابقة ليوم الإقلاع تتمحور و”تتكور” حول السفر, والطائرة, والتحليق, والغيوم, والمسافات, والأماكن, والمطارات, ومدن الملاهي وأماكن اللعب, وحمامات السباحة وغيرها كثير من أنشطة صيفية سياحية بحتة.
وإذا كنا نستطيع أن نتفق على ما فات, فنحن على خط سير واحد يقودنا إلى الاتفاق الثاني والذي فحواه أن: لا أصعب ولا أكثر إرهاقا للعقل ولا أكثر استنزافا للمحفظة من الإعداد, ومن ثم الاستعداد للسفر, وأولئك المعتادون على السفر فرداى أو في رحلة عنوانها اثنان, لا يستطيعون فهم الدوامة التي يمر بها أولئك المقبلون على السفر مع أطفال, وذلك لأن وحدهم المسؤولون عن الأطفال يدركون ضريبة أن تنسى غرضا مهما, ما هي الضريبة قد يتساءل البعض? في الحقيقة هي ضريبة واحدة نطلق عليها بالعامية الكويتية مصطلح “القرادة” والتي تعني أن تكون وسط دائرة من الشؤم وسوء المنقلب دون باب تهرب منه أونافذة تهرب إليها, و”القرادة” سيداتي وسادتي قد تأخذ أشكالا عدة, ومن الأمثلة عليها التالي:
واحد: أن تكون قد نسيت أحد الاحتياجات الضرورية لطفل رضيع -وما أكثرها- كالغيار الداخلي, أونوع محدد من الحليب, أوكريم الوقاية من الطفح الجلدي, أوقنينة الرضاعة الحيوية لما قبل النوم, أو نوع الطعام الخاص بالرضيع إلى آخره من أمور حيوية لا يحتمل أي رضيع الاستغناء عنها, وفي هذه الحالة تحديدا تأخذ “القرادة” شكلها في أن تترك السكن قبل أن يرتاح جسدك من رحلة طويلة مهما كانت الساعة متقدمة أو متأخرة, وأن تسعى حثيثا في طلب مراكز التسوق الليلية, ومراكز بيع حاجيات الأطفال في مدينة غريبة قد يستغرق فيها الوصول الى هدفك قرابة الساعة أوأكثر.
الثاني: أن تغفل عن حمل ما يتناسب وأعمار أطفالك من أدوية مسكنة غالبا ما يحتاجونها بعد قضاء ساعات في طائرة مختنقة, ولاحظ أن الطائرات تكون كصناديق للفيروسات التي تحتبس فيها جميع أنواع العدوى, الأمر الذي يشكل تهديدا لمناعة أي طفل, ناهيك عن حقيقة أن الطائرات تميل إلى أن تكون ثلاجات للنقل الجوي من شدة برودتها, ما لا يترك لك مجالا غالبا من دون أن تلجأ إلى أدوية المغص, أو العقاقير المضادة للإسهال, أو أشرطة تخفيض الحرارة, أومكيال الميللي متر لقياس كمية “البندول” أو “الأدول” أو “التايلانول” أو “الأومول” إلى آخره من أنواع المسكنات الضرورية والملزمة, وفي حال أن نسيت الدواء وهجم على طفلك الداء سوف تجد “القرادة” متربصة بك في هيئة واحدة لا ثاني لها, وهي أنك ستترك سكنك – مرة ثانية- بحثا عن صيدليات لا تزال تعمل بعد منتصف الليل أو في نهاية الأسبوع, أو في الإجازات الرسمية, أو في أي يوم منحوس اخترت أنت أن تسافر فيه, وعليك حتى بعد أن تجد أخيرا صيدلية أن تتأكد أنها تحمل الدواء الذي يناسب عمر طفل أصغر من سنتين وآخر أكبر من اربع سنوات, وآخر يفوق في عمره الاثنتي عشرة سنة, لتعود وتبحث مرة أخرى عن صيدلية أخرى لا تستطيع أن تتأكد أنها تبيع ما تحتاجه قبل أن تقطع المسافات لتقصدها بعينها وتدق بابها.
وفي كلا الحالتين السابق ذكرهما أو أي حالة أخرى مشابهة سوف ينتهي بك المطاف في صرف مبلغ محترم من المال على مستلزمات بديهية في ضرورتها كانت ستوفر عليك العناء والمشقة والمال لوكنت قد حملتها معك منذ البداية, لهذا فإن الاستعداد للسفر بصحبة الأطفال عمل شاق ومهمة مرهقة تحمل لك معها في كل خطوة احتمال “القرادة” والفشل في الاستعداد التام.

h_alhuwail@yahoo.com

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.