وليد الغانم: هل سرقت التكنولوجيا أسرتك

أميركية تعمل أستاذة علم اجتماع، قررت أن تتخلص من وسائل الاتصال الحديثة، وتمنع أطفالها من استعمال أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية لمدة ستة أشهر، بهدف تعزيز العلاقة الأسرية داخل البيت. ورغم معارضة الاطفال للفكرة في بدايتها، فإن الأم تقر أن الفوائد التي جنتها من هذه التجربة كانت عظيمة جداً، (القبس 2013/6/3).

شربكتنا التكنولوجيا، في البداية وقعنا في أسرها، لكننا الآن تعلقنا بها الى حد الادمان، في الحقيقة خطفتنا التكنولوجيا من حياتنا الواقعية، وسرقت منا لذة العيش الطبيعي، وأصبحت أيامنا تمضي بين الأجهزة الذكية والإنترنت والألعاب وبرامج التواصل الاجتماعي الوهمية، فلا نحن حاضرون فعلاً مع الناس، ولا نحن غائبون عنهم.

أما اقرباؤنا واصدقاؤنا فكفانا «الواتساب» مؤونة التواصل معهم، وأصبح هو البديل الحقيقي للحوارات الحية والالتقاء المباشر وتبادل الأخبار، وربما تكون متصلاً بأحدهم يوميا لمدة أسابيع وأشهر وأنت لم تتواجه معه من رمضان الماضي، واما تكوين العلاقات الجديدة فقد استعضنا عنه بالفيسبوك وتويتر والانستغرام، حيث تلتقي يوميا بمئات الأفراد وتسولف معهم بكل ما يخطر على بالك من شؤون الدنيا وأحداثها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتابع أخبارهم أولاً بأول، وأنت لا تعرف مع من تتحدث، ولم تلتق بهم قط، لكنك تعتقد انهم اصدقاؤك أو مقربون منك.

وماذا عن حياتنا الفعلية؟ لقد قصرنا في حق أسرنا واصدقائنا واقربائنا، ونسيناهم، وربما جلسنا الى جنبهم الساعات الطويلة من دون ان نلقي نظرة على وجوههم أو نبتسم لهم! والسبب ان أعيننا وعقولنا قد استسلمت لفتنة العلاقات التكنولوجية الوهمية،

يا ترى هل سرقتك التكنولوجيا من أسرتك؟ أو سرقت أسرتك منك؟ هل انخفضت ساعات التواصل الأسرية داخل المنزل؟ هل أصبح ابناؤك يفضلون الوحدة والاختلاء بأجهزتهم عوضاً عن الاجتماع العائلي؟ هل أثر الواتساب وتويتر في علاقاتك الخاصة وهواياتك الأخرى؟ هل تمنح نفسك وأسرتك وربعك من الوقت الحقيقي الذي تنشغل به معهم ما تستحقه الحياة؟ هل توافقني ان الديوانية أصبحت مأتماً لا تدور فيها الأحاديث بسبب انكباب روادها على أجهزتهم؟ يبدو ان كثيراً منا قد كوّن له أسرة تكنولوجية جديدة، وأنشأ صداقات افتراضية موسعة، ربما يستمتع بها في اللحظات الآنية، لكنها بالتأكيد تقتطع جزءاً حميماً من الحياة الصحيحة القائمة على الاتصال الإنساني المباشر بالنظر والكلام والإحساس بالمشاعر، والتواصل الصادق مع من يستحق ويجب عليك منحه ذلك، فوائد التكنولوجيا عظيمة جداً شرط ان نتحكم بها، واما ان تحكمت بنا فإن أضرارها الصحية والنفسية والأسرية تفوق فوائدها، الأمر يستحق المراجعة وإعادة النظر، فمن يفعل ذلك قبل فوات الأوان..؟ والله الموفق.

وليد عبدالله الغانم

Waleedalghanim.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.