ناصر العبدلي: انقلاب على الدستور

الدساتير وضعت لتكون المرجعية عند أي خلاف ينشب بين الفرقاء داخل المجتمع، ويفترض بأولئك الفرقاء أن يحترموا تلك المرجعية حتى إن كان هواهم ورغباتهم تتعارض مع ما يقرره الدستور، والمحكمة الدستورية نصبت حسب نصوص الدستور الكويتي لتفسير المواد الدستورية وللنظر في مدى دستورية القانون، وقد أضيف لها النظر في الطعون الانتخابية، رغم أنه حق أصيل لمجلس الأمة.
في الغرب القضية حلت منذ زمن طويل لأنهم عرفوا أن تجاوز الدستور وعدم احترامه يعني عدم الاستقرار السياسي وبالتبعية التردي الاقتصادي، وربما يتحول الأمر إلى منازعات وحروب أهلية، وفي الشرق، ونحن جزء منه، لم تحل القضية حتى الآن، وبقيت معلقة، وقد انقسمنا أمامها إلى قسمين، الأول يرفع شعار احترامه، لكنه لم يتمكن من أن يترجم شعاره إلى واقع، والثاني يتحين الفرصة للانقضاض عليه وإقامة الخلافة الإسلامية، وهو ضرب من الوهم.
الدستور الكويتي تعاقد بين سلطة قائمة وشعب على توزيع المساهمة في القرار بعد تقسيمه إلى ثلثين للشعب الكويتي وثلث للسلطة القائمة حسب خريطة مجلس الأمة، وهذا في ما يتعلق بوظيفة التشريع، أما وظيفة الرقابة، فقد تركت للشعب كاملة، وهي معادلة توصل لها أعضاء المجلس التأسيسي بعد جدل طويل روعي فيه جميع التناقضات داخل المجتمع باعتبارها تؤثر في أداء مجلس الأمة.
في فترة من الفترات، كانت الحكومة تتمدد على الصلاحيات الشعبية، وكان الجميع يتصدى لها حتى من بعض أعضائها باعتبار أن هذا التمدد ربما يستدعي في وقت لاحق تمددا من الطرف الآخر، وبالتالي الخروج على اللعبة السياسية التي قررها الدستور، وعندها سيحدث الخلل الذي يتخوف الجميع منه، وكانت تنتهي كل معركة من تلك المعارك بهزيمة الحكومة،لأنها خرجت عن إطار الدستور.
التطور القبيح هو تمدد بعض المكونات داخل البرلمان على صلاحيات «الثلث الثاني»، ومحاولة مصادرته في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحياة البرلمانية، وقد أعطت تلك الخطوة – مع الأسف – الحكومة شرعية أكبر باعتبارها الهدف الدائم للانتقاد الشعبي من أنها لا تحترم الدستور، إذ أصبحت حينها أحد الأطراف في التجاوز على الدستور وليست الطرف الوحيد، وهذه «نكبة» في العمل السياسي سيكون لها آثارها السلبية لفترة طويلة.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.