نبيل الفضل: دول طاردة

هناك دول طاردة لابنائها ودافعة لهم للهجرة الى دول بعيدة، وذلك لاسباب مختلفة ولكنها مفهومة ومقبولة بحكم الضرورة.
فمصر أم الدنيا ولكنها طاردة لابنائها بحكم ضيق العيش وندرة الوظائف لهذه الملايين من البشر. وليبيا كانت دولة طاردة بحكم قسوة وظلم النظام السياسي بقيادة القذافي. واليوم اصبحت دولة طاردة لاسباب امنية كحال سورية وغيرها من دول الصراعات الامنية او الحروب الاهلية.
والكويت دولة طاردة ودافعة لابنائها للخروج منها عند أي فرصة ممكنة لا لضيق عيش ولا بسبب جور سياسي ولا لوجود مخاطر أمنية على الافراد، ولكن لسبب واحد يحمل مأساة شعب غني وغير سعيد، السبب هو «الغلقة» أو انعدام الترفيه!.
فالكويتيون لا يصدقون متى تأتي اجازة نهاية الاسبوع لكي يستقلوا أول طيارة الى دبي أو بيروت أو القاهرة أو حتى لندن لتمضية نهاية الاسبوع. لانهم لا يجدون في بلدهم ما يريحون به عقولهم وارواحهم خلال اجازة نهاية الاسبوع. وبعد اسبوع مليء بالملل وانعدام فرص الترفيه عن الاجساد والارواح في بلدهم الغني جدا!.
ومن مفارقات الكويت المحزنة ان الحياة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كانت افضل طعما واجمل نكهة مما هي عليه اليوم، ففي ذلك العهد كانت الحفلات العامة والفرق العالمية تفد الى الكويت لتشارك في نقل ثقافات العالم عبر الغناء والتمثيل والرقص، وكانت الكويت تعج بالانشطة الرياضية الشبابية والمحترفة، وتحصد الحركة المسرحية الكويتية مراكز متقدمة على نظيراتها العربية.
ثم جاء ما اسموه بالصحوة لا بارك الله فيها!. فإذا هي ردة عن طبيعة البشر في التطور والتقدم والتقارب مع الشعوب الاخرى التي وعدنا الله بأن نتعرف عليها.
ما اسموه بالصحوة كان قفزة قسرية لظلام العصور الماضية بحجة العودة لجوهر الدين، فتم اعلان الحرب على المتعة والتمتع والمستمتعين بالحياة الدنيا. انهار المسرح وحوربت الفرق العالمية وخنق النشاط الثقافي والادبي، الخارج عن حدود المسموح به دينيا أو الخارج عن اطر ما يفرضه شيوخ الصحوة.
وجاءنا فكر يحرص على استعمال الدين كأداة تحيل الحياة الدنيا الى جحيم بحجة دفع المجتمع نحو الدخول للجنة التي هي بيد الله الغفور الرحيم لا بيد اهل اللحى ومدعي الثقة والعلم الشرعي!.
ومع تزايد الضغط الرجعي تحت راية الصحوة المزعومة تم تكفير الوطنية التي لا اصل لها في الاسلام، فأصبحت تحية العلم كبيرة من الكبائر والوقوف للسلام الوطني اثم لا يغفره صيام سنة!. وانعدام الوطنية ادى الى ضعف الولاء للوطن وتراخي الناس في الحرص على الحفاظ على ملكية الوطن ومصالحه مقابل الاندفاع في دعم حركات ارهابية وانفصالية تتدثر برداء الجهاد المزعوم.
وتدني الوطنية اسهب في تدمير برامج التعليم ليزيد من جرعة المواد الدينية حتى للاطفال.
وبين دستور لا يطبق وشريعة لا تتبع ضاعت هوية الكويت وانحرف المسار من الانتاج والابداع الى الاستحواذ والاستهلاك والهدر، وضاعت هيبة الدولة وماتت ثقافة الحفاظ على مصالحها.
ولم يجد الكويتيون من منقذ للحياة التي وجدوا انفهسم بها سوى الوفرة المالية التي استغلوها للهروب من هذا الواقع المحبط وهذه الحياة الرتيبة، فاندفعوا في مغادرة الكويت في اول وكل فرصة ممكنة لتعويض حياتهم الجافة وروتينهم اليومي الرمادي.
ولكن الردة في المجتمع لم تقف عند حدود طرد وتهجير الناس في المواسم والعطلات، بل لقد ساهمت في تهجير رؤوس الاموال لان الردة اصابت الاداء الفردي لموظفي الدولة حتى اصبح الروتين قاتلاً للهمم والواسطة خانقة للابداع والعرقلة دافعا للكفر بالاستثمار في الكويت.
وهكذا رأينا هجرة الاموال الكويتية إلى دول الجوار، لان الكويت تمنع تنفيذ الابداع والمبادرات التي اشتهر بها الكويتيون والتي بنت كويت الستينيات والسبعينيات.
الكويت اصبحت دولة طاردة للشباب ودافعة لهجرة اموال الرجال والنساء.. فماذا كسبنا من الصحوة ومن الجدل الديني والصراع السياسي الذي دخل فيه هذا الجدل بفاعلية مضرة؟!
الكويت تحتاج للاصلاح، والاصلاح كالعلاج لابد ان يصاحبه بعض الالم، وفي حالة كالكويت حيث بلغ الفساد فيها مراحل مزرية علاجها يحتاج الكي، والكي يؤلم لجزء من الجسد ولفترة قصيرة ولكن بدونه سيتسمم الجسد كله ويذوي ويموت.
والكي يحتاج إلى طبيب شديد العزم حاسم الرأي حازم القرار.
وحتى نعترف باننا نحتاج العلاج بالكي ونبحث عن ذلك الطبيب الحذق فان امورنا من سيئ إلى اسوأ والهجرة مستمرة للشباب.
– جاء من مصر هذا الخبر: المتظاهرون دعماً للقدس يطالبون وزير الثقافة بقصر نشاط دار الاوبرا على الاناشيد الدينية!!!. ونحن نسأل ماذا لو احال وزير الثقافة دار الاوبرا منبراً للتواشيح وكذلك لقراءة القرآن الكريم طول اليوم وكل ساعات الليل. فهل يكفي هذا وحده لكي تتحرر القدس؟!.
هذه ثقافة الصحوة واهلها من معلبي الفكر ومتخلفي المنطق.
– نقدر لوزير الداخلية استقباله الاسبوع الماضي للفريق المتقاعد فهد الشرقاوي والثناء عليه وتكريمه على سنوات خدمته المعطاءة. فقد اكد الوزير بما فعل ما كنا قد قلناه، بان تقاعد الشرقاوي كان بطلب سابق له قبل احداث سرقة الذخائر، بل ان أبا يوسف قد اجل تاريخ تقاعده بعد حادثة الذخائر حتى يتم القبض على الجناة وتعرف حقيقة الواقعة.
ابا يوسف وفقك الله في حياتك الجديدة وشكرا على ما قدمت لوطنك.

أعزاءنا

لماذا لا يقوم المجلس الاعلى للتخطيط بالتعاون مع الادارة المركزية للاحصاء بعمل دراسة تحدد اسباب سفر الكويتيين في اقرب وكل فرصة ووصف العلاج لهذه الظاهرة التي تستنزف المليارات دون طائل ولا مردود!.

نبيل الفضل
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.