عبداللطيف الدعيج: لماذا لا يكون الانتماء وطنياً

لماذا تصر حكوماتنا المختلفة على الاعتماد على المشاعر والانتماءات القديمة للحصول على التأييد والولاء اللذين تستذبح من اجل تحقيقهما؟ بشكل مباشر اكثر: لماذا الولاءات الدينية والقبلية هي التي تلقى الرعاية والاهتمام والاحتضان من قبل السلطات والحكومات، بدلا من الولاء الوطني والانتماء العصري الحديث للدولة المدنية؟

سؤال قد لا يبدو صعبا للوهلة الاولى، بل لا يبدو مهما او ذا معنى، لكن المتمعن في سلوك السلطات هذه الايام لا يمكن الا ان يجد نفسه مجبراً على ترديد السؤال، ومجبراً على البحث عن اجابة مقنعة، اعتقد ان السبب الاساسي يعود الى الرغبة في «المحافظة» او نبذ التغيير الذي يتسيد كل مؤسسات المجتمع القديم، واقول المجتمع القديم، لاننا اصلا لسنا مجتمعا «جديدا» متواصلا ومستمرا، بمعنى اننا لسنا مثل بقية خلق الله يعيشون في المجتمع ذاته الذي يتطور ويتجدد بفعل نشاطهم الانساني وابداعاتهم الخلاقة، نحن على العكس من ذلك «فرض» علينا التطور، ونبذنا او تهيأ لنا اننا نبذنا المجتمع القديم ودخلنا في العصر الحالي وفي مجتمعات التقنية وقبلها المدنية للقرنين العشرين والحادي والعشرين، اي ان الحقيقة نحن جميعا حكاما ومحكومين ما زلنا نعيش في مجتمع الامس تقليدا وموروثا وسلوكا، وان تغيرنا شكليا، حكومات بدلا من مجالس العشيرة، وزراء عوضا عن الشيوخ، ونشيد وطني بدلا عن «الدحة او العرضة او الفرينسي»، وعلم دولة خلف صيحات «اخوان مريم وعيال عطا وحمر النواظر» وبقية الاستدلالات القبلية.. نبقى حكاما ومحكومين نعيش يوم امس، وتسيرنا تقاليده وموروثه.

لم ندخل الى عالم اليوم ومجتمعات اليوم، لان ذلك يتطلب نبذ القديم والانعتاق من روابط الامس وضوابطه، التخلص من الامس وقيوده يعني تجديد المؤسسات والبنى الاجتماعية، بما فيها السلطات والمراتب الاجتماعية المختلفة، إحلال الجديد محل القديم وخسارة علاقات ونظم مقابل اعتماد وتقبل النظم والعلاقات العصرية الجديدة، وهذا ما يتجنبه اصحاب المصالح.

لهذا وبشكل طبيعي وعادي جدا تتحالف السلطات مع البنى والمؤسسات القديمة، فالاثنان يتعرضان قسريا الى التطوير والتجديد، والاثنان معنيان بـ«المحافظة» على الاوضاع والظروف على ما هي عليه، لهذا يلتقيان مصلحيا، ولهذا تتجنب السلطات والحكومات البنى والمؤسسات العصرية، لان تكلفتها السياسية اعلى كثيرا من تكلفة مؤسسات المجتمع القديمة.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.