كأنما هذه الحروف التي اكتبها، جمرات تستنزف رحيق عينيّ، أو كأنها من عاديات الدهر ونوازل الزمن الذي أعيش!
أكتب في رثاء من جعل السخرية والضحك عموده الفقري وخيمته التي يرسي أطنابها حتى على مياه البحر!
«سليمان الفهد» ذلك الرجل القريب من كل نفس بشرية حتى التي لا تعرفه عيناها ولم تصافحه يداها.
أرثيه بحبر الجمرات ـ لا حزنا عليه وكمدا فقط ـ ولكنما ذلك لأني أخون رسالته في الحياة وفي الكتابة، ولكن ما حيلتي وقد بدا هزالي وضعفي فهل أرثيه ساخرا ضاحكا، وهل في الموت يسخر العقلاء؟!
ماذا أقول فيه غير الذي في قلبي من كمد عليه، وقد سبقتني إلى حمل نعشه كثرة كاثرة من أهل الكتابة واصحاب القلم وعارفوه وناسجو الليالي بالأيام معه، فذكروا خصاله وطيب فعاله!
كان «صعلوكا نبيلا»، وهل ينبل الصعاليك؟
الصعلكة أساسها النبل، وأنبل الشعراء هم الشعراء الصعاليك، ألم يقل زعيمهم «عروة بن الورد»:
أقسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قراحَ الماء والماء بارد.
وكان سليمان من ذلك الطراز من الصعلكة النبيلة.
كان نسيج وحده وكل خيط في إزار حياته من صنع يديه هو، لم تمتد يده متسولا ولا سائلا أحدا بكرة خيط ينسج به إزاره.
لم يتكلف حين تنمرد ولم يتجبر حين تمرد، بل واءم بين ما رفضه وما استحدثه من أساليب الحياة التي اختارها، فلم يجرح المرفوض البالي ولم يروج لمذهبه الحياتي المخالف لما تعارف عليه القوم، فلم ينبذه القوم ولم تحز رأسه سيوف القبيلة ولم تنزع عنه عباءتها، بل بقي عزيزا في قلب العشيرة التي كسر قيودها ورفض أغلالها.
كان سليمان الفهد مؤسسة من فرد فكان سراجا نوارا يهدي إليه الظمأى يتحلقون حوله «كالجند في العلم» فيتسع صدره أكثر كلما دقت يد جديدة بابه.
ما عرفه أحد إلا وأبقى على معرفته وعلاقته به حتى مماته.
كان يسخر مع الناس لا منهم، ويضحك معهم لا يضحك منهم ولا عليهم.
إن مات سليمان الفهد، فإني في شك ان قلبه قد مات معه، فمثل تلك القلوب لا تموت وإن فنيت أجسادها.
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق