يعقوب الصانع : للقضاء هيبة .. يجب إحترامها

من المعلوم بالضرورة للقاصي والداني، ان رسالةَ القضاءِ هي اقامة العدل بين الناس، وهذه الرسالة تحمِل مُهِمَةً مُقَدَّسَة، تستَمِد قُدسِيَّتِها واحترامها وتبجِيلها من موقع السلطة القضائية بحسبانها نائبةٍ عن المجتمع لتُنصِف المظلوم وترد الظالم عن ظلمه.
ولهذه القُدسِيَّة أساسها وأصلها الشرعي في القرآن الكريم من قوله سبحانه وتعالى: {انَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ان تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ الَى أَهْلِهَا وَاذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ ان تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ان اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ان اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}. (سورة النساء الآية 58).
هذه الآية الكريمة يُطالِعُها القاضي كلما عَرَج الى مِنَصة العدالة، أليس هذا أبلغ دليلٍ، وأعظم مُؤَشِرٍ على عِظَم هذه المُهِمَة وثِقَل هذا العمل وتلك المسؤولية.
وقد أفرد الدستور الكويتي في مادتَيِه الرقيمَتَين (162، 163) لهذه المُهِمَة المُقَدَّسَة ضوابطاً، ابتدأها بأن شرفَ القضاءِ ونزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات، ثم أعقَبَ ذلك بما يُؤَكِد على حيادية القاضي واستقلاله، وأنه لا سلطان عليه لأي جهةٍ، ولا يجوز بحالٍ التَدَخُل في سير العدالة.
وبلا شك فان الاسلام الذي هو دين الحق والعدل والمساواة كانت قواعده ومبادئه وأحكامه سَبَّاقة دوماً الى هذه المُثُل العُليا، ولنا في قَصَص الأولين عبرةٌ لمن أراد الاعتبار: فالقاضي «شُرَيِّح» في فترة خلافة الامام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، قضى بالدرع لليهودي دون الامام علي أمير المؤمنين (والقصة معلومة للجميع).
كما ان قانون الجزاء قد أَوجَّبَ احترامَ القضاءِ والقضاة، ومَنَعَ أية محاولةٍ للتشكيك في نزاهة القضاة أو اهتمامهم بعملهم أو في التزامهم بالقانون. وذلك وفقاً لما أورده القانون في مادَتَيِّه (146، 147).
وهذا الاحترام الواجب للسلطة القضائية ينسَحِب بالضرورة على ما تُصدِره من أحكامٍ قضائية، فالحكم القضائي متى صار باتاً أصبح عنواناً للحقيقة، ويعلو على اعتبارات النظام العام.
فضلاً عن أننا في دولة قانون ومؤسسات، وهذا يستدعي القول – وبثقة – ان احترام الأحكام القضائية وتنفيذها يعكِس – وبحق – مدى قوة المؤسسات في الدولة، ويُعلي ويرفع من قدر الحكوماتِ والدول، ولا ينال منها.
لأن احترامَ القانونِ وأحكام القضاء لأبلغ دليلٍ على التَحَضُر والرُقِي والنضج الثقافي والاجتماعي. لأن دولةَ القانونِ لا تقوم لها قائمة الا باحترام الأحكام القضائية.
ولذلك أؤكِد، ونحن في انتظارٍ وترَقُب لحكم المحكمة الدستورية المُنتَظر صدوره اليوم، ان احترام الأحكام القضائية هو الخط الفاصل بين البداءةِ والحضارة، بين الفوضى والنظام، بين شريعة القانون وقانون الغاب.
هذا الاحترام الواجب لأحكام القضاء من المبادئ الأصيلة الراسخة في ضمير المجتمع البشري.
الا أنه مع ذلك تجدُر الاشارة الى ان حق النقد للحكم القضائي مُباح، ولكن اباحته مُقَيَّدَة بضوابط وشروط وضعها نص المادة (147) من قانون الجزاء حيث أشار الى ان حدود النقد النزيه ان يكون صادراً عن نيةٍ حَسنةٍ سواء تعلَّقَ النقد باستخلاص الوقائع أو بكيفية تطبيق القانون عليها.
فالقاضي يحكم بما يتوافر لديه من أدلةٍ وبراهين، ولكن ليس مشروطاً ان يكون الحكم مطابقاً للحقيقة ذاتها، وانما حكم القاضي يكون وفقاً للحقيقة المتاحة لديه، ولذلك قيل بأن الحكم أقوى من الحقيقة ذاتها.
حمى الله الكويت وأهلها من كل سوء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.