فايز الكندري يكتب عن اللائحة التنفيذية لقانون الشركات الجديد

في بادرة إيجابية تحسب لوزارة التجارة ووزيرها أنس الصالح، أعدت الوزارة مسودة للائحة التنفيذية لقانون الشركات الجديد الذي صدر بالمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2012 والمعدل بالقانون رقم 97 لسنة 2013 ونشرتها على موقعها الإلكتروني ووزعتها على الصحف العامة والمختصين والمهتمين بالمجال للتعرف على ردود الأفعال وتلقي وجهات النظر حولها ولمعرفة أوجه الخلل والقصور الذي قد يشوبها. وهي خطوة غير مسبوقة مقارنة بما هو متبع بالجهات الحكومية والتي نتمنى الاقتداء بها والعمل على ذات النهج.
ومن هذا المنطلق، أعدت هذه الدراسة لتسلط الضوء على أهم الملاحظات العامة على مسودة اللائحة ببيان أوجه الخلل والقصور من أجل مناقشتها والوقف عليها تحديدا. وهذه الملاحظات وإن كان البعض منها يمثل «نقدا» لاذعا إلا أنها لا تعيب عمل القائمين على إعدادها بل على النقيض يحسب لهم تبني سياسية الشفافية بطرحها للمناقشة وتقبل الملاحظات التي قد ترد عليها قبل إصدارها بصورة نهائية.
وفي ما يلي عدد من الملاحظات:
أولا: الخروج عن الإطار العام لضوابط وأسس إعداد اللوائح التنفيذية.
اللائحة التنفيذية للقانون تمثل «خارطة طريق» لتنفيذ نصوصه بتحديد الضوابط والإجراءات والبيانات المطلوبة لذلك، دون أن تعدل على نصوص القانون ذاتها أو تعمل على إلغائها.
ومسودة اللائحة المعدة خرجت عن هذا الإطار، بالخلط بين مفهوم اللائحة والقانون والمذكرة الإيضاحية له، والهيكل الوظيفي والتعاميم الإدارية.
1 – الخلط بين اللائحة التنفيذية والقانون:
كثرة ترديد مسودة اللائحة لنصوص القانون ذاتها.
إحالة مسودة اللائحة إلى عدد كبير من نصوص القانون، وإفراد لهذه الإحالة نصوص بذاتها (المواد 1/32/33/37/84/107/112/114).
وهو ما يعني أن مسودة اللائحة لم تأت بما هو مطلوب لتنفيذ أحكام القانون «المرددة» والمحال إليه من حيث الضوابط والإجراءات والبيانات.
2 – الخلط بين اللائحة التنفيذية والمذكرة الإيضاحية للقانون.
إلى جانب ترديد مسودة اللائحة للأحكام الواردة بنصوص القانون والإحالة إلى عدد كبير منها، عمدت المسودة إلى تتبع كل نص في القانون لتفرد له نص مقابل فيها دون حاجة لذلك وتطلب من المشرع لتنظيم ضوابط أو إجراءات محددة خاصة فيه.
وفي ذلك خلط بين مفهوم اللائحة التنفيذية، ومفهوم المذكرة الإيضاحية للقانون التي تأتي لشرح وتفسير النص القانون ببيان العلة التشريعية مع إفراد تطبيقات عملية له.
3 – الخلط بين مسودة اللائحة والهيكل التنظيمي والتعاميم الإدارية.
تضمن مسودة اللائحة العديد من الأحكام الخاصة بتحديد اختصاصات الإدارة التابعة لوزارة التجارة وآلية عملها والالتزامات المفروضة على الموظفين القائمين عليها.
على سبيل المثال لا الحصر، المادة (56) من المسودة تقرر بشأن تأسيس الشركة المساهمة بأن الإدارة المختصة بالوزارة «تقوم بفحص الطلب والتأكد من استيفاء البيانات والمستندات اللازمة لتأسيس الشركة وإذا رأت أن الطلب مستوفي ولا توجد أي موانع للموافقة على تأسيس الشركة تقوم بإعداد مشروع القرار الوزاري بالموافقة على تأسيس الشركة وعرضه على وكيل الوزارة لعرضه على الوزير لإصداره».
ولا يخفى بأن مسائل الفحص والتدقيق وإعداد مشروع قرار وزاري والتسلسل الوظيفي بإعداده مرتبطة بالتنظيم الإداري والوظيفي والاختصاصي والتفويض تصدر فيها قرارات وزارية وتعاميم إدارية، وليس محلها لائحة تنفيذية لقانون.
ثانيا: إحالة اللائحة التنفيذية في تنظيم نصوص القانون إلى جهات أخرى بالمخالفة للقانون.
قانون الشركات الجديد وإن تضمن عدداً من النصوص التي تحيل في تنظيم عدد من المسائل إلى جهات أخرى بقرارات تصدر منها مباشرة.
شأن المادة (217) من القانون التي تقرر وضع قواعد حوكمة الشركات من جانب الجهات الرقابية المعينة من بنك مركزي وهيئة أسواق مال ووزارة تجارة. وأيضاً المواد الخاصة بالسندات والصكوك التي أحالت إلى هيئة أسواق المال بتحديد أنواع الصكوك والأحكام التي تخضع لها موجودات الصكوك وكيفية تملكها وأسس تداول السندات والصكوك بشكل عام.
بالمقابل، جاءت مسودة اللائحة لتحيل فيما أحال إليها القانون «إحالة لإحالة» بالتنظيم من مسائل إلى جهات أخرى لتصدر بها قرارات من جانبها مباشرة. وهو ما يمثل مخالفة صريحة للقانون وخروج عن مفهوم اللائحة التنفيذية التي تنظم ولا تمس نصوص القانون بالإلغاء أو التعديل. وذلك كله إلى جانب المخاطر القانونية التي قد تترتب على إصدار قرارات من جهة غير مختصة بالمسائل التي تتضمنه بالبطلان وتباعا زعزعة استقرار التعاملات التجارية والمساس بحقوق الأطراف والغير.
وفي ما يلي حالات الإحالة غير القانونية التي جاءت بمسودة اللائحة التنفيذية:
المادة (14) تحيل إلى البنك المركزي أو هيئة أسواق المال لإصدار قرار بتحديد ضوابط تأسيس شركات ذات غرض خاص (S.P.V) وذلك بالمخالفة لنص المادة (14) من القانون التي أحالت ذلك بالتنظيم إلى اللائحة التنفيذية ذاتها.
المادة (60) تحيل إلى هيئة أسواق المال لإصدار قرار تحديد إجراءات وأوضاع تعيين متعهد الاكتتاب، وذلك بالمخالفة لنص المادة (135) من القانون التي أحالت ذلك بالتنظيم إلى اللائحة التنفيذية ذاتها.
المادة (66) تحيل إلى هيئة أسواق المال لإصدار قرار بشأن إصدار الأسهم بقيمة أدنى من قيمتها الاسمية مع تحديد ضوابط وشروط الموافقة على ذلك، بالمخالفة لنص المادة (150) التي تقضي بأن هذه الضوابط والشروط تبينها اللائحة التنفيذية ذاتها.
المادة (67) تحيل إلى هيئة أسواق المال لإصدار قرار بشأن شروط تقسيم السهم الواحد، بالمخالفة لنص المادة (150) التي تقضي بأن هذه الضوابط والشروط تبينها اللائحة التنفيذية ذاتها.
المادة (73) تنص على إصدار الوزير قرار بشروط ومعايير تحديد مقدار علاوة إصدار الأسهم بزيادة رأس المال على «عرض من هيئة أسواق المال»، في حين أن المادة (163) من القانون تتطلب تنظيم ذلك باللائحة ذاتها ، كما لا تتطلب  الرجوع إلى الهيئة والعرض منها.
المادة (74) تحيل إلى البنك المركزي أو هيئة أسواق المال لإصدار قرار لإجراءات تحويل صكوك إلى أسهم، وذلك بالرغم من أن المواد (187-193) من القانون لم تقضي بذلك.
المادة (75) لم تتطلب فقط موافقة هيئة أسواق المال على تخفيض رأس المال كما جاء بنص المادة (168) من القانون، بل بوجوب موافقة وزارة التجارة أيضاً بالمخالفة للنص المذكور.
المادة (80) تحيل إلى وزير التجارة لإصدار قرار بشأن كيفية تداول وإلغاء حصص الأرباح المقررة من الجمعية العامة غير العادية، وذلك بالمخالفة لنص المادة (177) من القانون بتنظيم ذلك باللائحة التنفيذية ذاتها.
المادة (101) تحيل إلى «اللجنة الفنية الدائمة لوضع القواعد المحاسبية» والصادر بها قرار وزاري رقم 75/1981 بموجب القانون رقم 5/1981 بشأن مزاولة مهنة مراقبة الحسابات لتصدر قراراً بإجراءات استبدال مراقب الحسابات، وذلك بالمخالفة لنص المادة (264) من القانون التي أحالت ذلك بالتنظيم إلى اللائحة التنفيذية ذاتها.
ثالثا: إغفال تنظيم عدد من المسائل الجوهرية
أغفلت مسودة اللائحة تنظيم عدد من المسائل الجوهرية التي تتطلب لزاماً من جانبها تقرير ضوابط وإجراءات محددة لإمكانية تنفيذ النصوص القانونية التي تضمنتها، شأن الشركات المهنية وشركة الشخص الواحد والغرض المحدد، ومسؤولية الشركة القابضة، وكذلك استثناء تصرفات الشركات المرخص لهم بالعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية من الأحكام القانونية الخاصة بحظر غلق الرهن الواردة في القانون المدني وقانون التجارة.
ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو ما سبق توضيحه من خروج مسودة اللائحة عن إطارها الأساسي في التنظيم إلى «ترديد» نصوص القانون والإحالة إلى نصوص أخرى مع ترك تنظيم عدداً من المسائل لجهات أخرى لتصدر فيها قراراًت بمعزل عن اللائحة وبالمخالفة للقانون.
رابعا: صياغة غير منضبطة لعدد من النصوص
بالرغم من تعريف عدد من العبارات والمصطلحات، لا تكتفي مسودة اللائحة بذكرها بل بترديد مضمونها مرة أخرى.
غموض تكييف عدد من النصوص، شأن «حالات الضرورة» و«تصدرها الوزارة» مما يؤدي إلى تباين التعامل في تطبيقها باختلاف الأشخاص وتقديراتهم.
خامسا: التخلي عن الوسائل التقنية الحديثة
بالرغم من نص القانون الشركات الجديد على عدد من الأحكام بتقرير إمكانية ومشروعية مباشرة عدد من الإجراءات والتعاملات الإلكترونية وباستخدام الوسائل التقنية الحديثة، شأن الاكتتاب الالكتروني بالأسهم والسندات والصكوك، وكذا عقد اجتماع مجلس إدارة الشركة المساهمة باستخدام وسائل الاتصال الحديثة.
بالمقابل تأتي مسودة اللائحة لتقرر عدد من الإجراءات التقليدية التي تبطأ من عجلة انجازها بالسرعة التي تتطلبها التعاملات التجارية بالمخالفة للنهج التشريعي بقانون الشركات الجديد وخروجا عن المسار العام للدولة في تبني حكومة الكترونية تقدم خدماتها بوسائل التقنية الحديثة.
على سبيل المثال، تتضمن مسودة اللائحة تنظيما بتسليم الأوراق «باليد لصاحب الصفة وتوقيعه بالاستلام» وتسلم الإدارة المختصة بالوزارة لطالب تأسيس الشركة «بعد التحقق من شخصه وصفته الأوراق والنماذج المعدة لتأسيس الشركة المطلوبة حسب نوعها».
سادسا: شبه عدم مشروعية فرض رسوم مالية
جاءت مسودة اللائحة لتفرض رسوماً على تأسيس الشركات بالرغم من غياب النص الصريح في قانون الشركات الجديد على إمكانية فرضها والإحالة إلى اللائحة التنفيذية لتحديدها، وهو ما يمثل شبه جدية بعدم مشروعية فرضها حيث لا يفرض رسم إلا بنص صريح بالقانون.
فضلاً عن ذلك «الرسم» بمفهومه يعد مقابل خدمة فعلية مقدمة، ومسودة اللائحة التنفيذية تفرض رسوما مالية مقابل تسليم طالب التأسيس للأوراق والنماذج المعدة لتأسيس الشركة، فهل يعد تسليم نماذج وأوراق معينة بذاته خدمة فعلية تبرر فرض رسوم عنها؟
سابعا: صعوبة توفيق الشركات لأوضاعها بصدور اللائحة التنفيذية ذاتها
وفق المادة (2) من قانون الشركات الجديد «تحدد اللائحة التنفيذية قواعد وضوابط توفيق أوضاع الشركات القائمة وفقاً لأحكام القانون الجديد»، وبالرغم أن مسودة اللائحة قد تضمنت عدداً من القواعد الخاصة بذلك وحسب شكل كل شركة، إلا أن توفيق الأوضاع يرتبط كذلك بما يجب أن يصدر بالتزامن معها من قرارات تنظيمية أحال إليها القانون بصدد عدد من المسائل من جانب الجهات الرقابية.
وهو ما يعني بأن صدور اللائحة التنفيذية بذاتها وبمعزل عن القرارات المذكورة واقع يجعل من إمكانية توفيق الشركات لأوضاعها وفق أحكام القانون الجديد صعباً إن لم يكن متعذراً، خاصة مع إحالة مسودة اللائحة – وكما ذكر سابقاً – لجهات أخرى بإصدار قرارات لتنظيم العديد من المسائل بالمخالفة للقانون

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.