عبداللطيف الدعيج: فرصة لرد التحية

الخطاب السامي لحضرة صاحب السمو يوم امس، كان -كما هو- اسما على مسمى. أرّخ للحدث وارسى قواعد اساسية واصيلة للحكم، وأكد مسبقا امكانية العفو والتسامح مع من اختاروا مخالفة الطريق او نشر العوائق فيه. واعتقد ان الاستجابة هنا يجب ان تتناسب والتسامح والروح الديموقراطية العالية والراقية التي حملها الخطاب. لكن يبقى ان الناس احرار في احكامهم وخياراتهم الخاصة، ومثل ما تقبل صاحب السمو خيارات الامس، سنتقبل نحن معه خيارات البعض لهذا اليوم.

لم يكن مفاجئا حكم المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد. لكن كان مفاجئا حل مجلس الامة، اعتقد انه لم يكن مفاجئا وحسب، بل مؤلما ايضا للناخب الكويتي، الذي يرى جهوده وخياراته تضيع وتتشتت بفعل اخطاء الادارات الحكومية او البرلمانية. بغض النظر عن المواقف، ستبقى تجرية الانتخابات خلال السنوات الخمس الاخيرة بالتحديد تجربة مريرة، ومكلفة ايضا على الناخب الكويتي، الذي افتقد استقرار الساحة السياسية، وحرم بهذه الطريقة او تلك من تمرير «حكمه» وقراره على الاوضاع.

هذا في رأيي سيكون عاملا اساسيا في عزوف كثير من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات القادمة. وربما سيكون ايضا دافعا او هو كان خلف قرار البعض مقاطعة الانتخابات، معتمدين على ردة الفعل السلبية وحالة الاحباط التي سترافق الانتخابات المقبلة. لهذا من الضروري التنبُّه مسبقا الى ان نتائج المشاركة في الانتخابات ستخضع لمزاج الناخب اكثر من قرارات السياسيين.

لكن مع كل هذا نتمنى ان يشارك الجميع، وان تعود المياه الى مجاريها، وان يتم انهاء الاحتقان ووضع حد للتشتت والتعارض الذي استهلك جهد الكثيرين ووقتهم. وحرم البلد من جهود وخبرات هو في النهاية بحاجة لها. سيكون سهلا العمل بلا معارضة او «تأزيم» ان أصر البعض على المقاطعة، لكن سيكون «مملا» ايضا العمل وفق روتين معروف ومحسوب. ليس من الديموقراطية في شيء غياب الرأي الآخر او تغييبه، مع احترامنا وتقديرنا لرأي وتقديرات جميع العاملين في الساحة السياسية. يبقى مهما عندنا ان نعمل جميعا، والا يحرمنا بعض من نحترمهم ونقدرهم من وجودهم وخبراتهم السياسية. لقد اختبرنا جميعا آثار ونتائج غياب الخبرات والقدرات الفعالة عن نتائج انتخابات المجلس الاخير. ورغم انه كان يزخر بالخبرات والاضافات التي نقدرها، لكن يبقى ان وجود «ملح المجلس» ضرورة، بغض النظر عن اختلافنا او توافقنا معهم، ان العمل السياسي الحقيقي هو في التعدد، وهو في الاختلاف وفي تباين وجهات النظر. عندما يكون الجميع لونا واحدا او بالكويتي «طقة» واحدة، فان هذا يعني ان هناك شيئا خطأ. في الغالب يكون تعسف الانظمة وفوضى العمل السياسي هما السبب الاساسي في ذلك. لكن تحت رقابة القضاء النزيه ومع رقي الطرح السامي يوم امس الأول وتسامحه، من الصعب القاء اللوم على السلطة او النظام.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.