في برنامج لقاء الرأي، ورداً على سؤال وجه إليه بأن هناك تخوفاً لدى بعض الناس بأن النواب الإسلاميين يهدفون إلى تحويل الكويت من دولة مدنية إلى دينية، أجاب النائب جمعان الحربش بأن: “هناك فهماً خاطئاً، فالبعض يعتقد أن هناك تناقضاً بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وأن الأولى لا تقابل الثانية… نحن نطالب بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، ونقول إن الدولة الدينية تقابل الدولة العلمانية، والدولة المدنية تقابل الدولة الشمولية، ونحن كإسلاميين نطالب بدولة مدنية هويتها إسلامية”!
ليعذرنا سيادة النائب، فأنا- وربما كثيرون- لم نفهم من هذه “الخلطبيطة” التي ذكرها شيئاً، ويبدو لي أنه فوجئ بالسؤال فدخل في متاهة فكرية حاول أن يخرج منها بتلاعب لفظي يضمن له سلامة الوصول بأقل قدر من الخسائر وبابتسامة المنتصر ترتسم على شفتيه!
فحكاية أن الدولة المدنية لا تناقض الدولة الدينية كلام “….” لم أسمع أحداً يقول به من قبل، فالدولة المدنية تعتمد حكم الشعب بنفسه لنفسه، وتقوم على تشريعات بشرية تقبل الجدل والنقاش، والأخذ والرد، والقبول والرفض، وهي بعكس الدولة الدينية التي تقوم على الحكم الإلهي، وتعتمد تشريعات إلهية ثابتة يجرم كل من لا يقبل بها أو يعترض عليها أو ينكر قدسيتها، ولذلك فالتناقض واضح بينهما، ولا يمكن لهما أن يلتقيا أبداً، فإما هذه وإما تلك!
وفي ظني أن الأخ النائب يدرك ذلك ولا يجهله، لكنه ينتمي إلى “حدس” التي تنتمي بدورها إلى جماعة “الإخوان المسلمين” المعروف عنها تلون مواقفها السياسية والدينية حسب مصلحتها، ومصلحة “الإخوان” اليوم في تجميل نواياهم الساعية إلى السيطرة على الحكومات والأنظمة في كل الدول العربية، والكويت بدستورها الذي تغلب عليه “العلمانية”، ويقف حائلاً دون مطامعهم في الدولة الدينية ربما لا تكون استثناءً من تلك الرغبة الإخوانية، لكنهم يدركون سماحة النظام وطيبته، لذلك يتبعون معه استراتيجية مختلفة، تكمن في الالتفاف حول الدستور وعصر مواده كما تفعل الأفعى لتحويله إلى دستور “الدولة الدينية” التي من خلالها يحققون أحلامهم في السيطرة على عقول الناس، وتسييرهم كالقطيع دون اعتراض حين يحكمونهم بالبركة الإلهية!
والحقيقة أن الدولة “العلمانية” ليست ضد الدين ولا ضد معتقدات الناس، هي فقط ضد تدخل الدين في السياسة على مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”، أي أن الناس أحرار فيما يعتقدون ويؤمنون، لكنهم شركاء في الوطن فلا تمايز ولا أفضلية لأي منهم على الآخر بسبب الدين أو الجنس أو العرق، ولذلك، لا نرى أي ضرورة لرغبة الأخ النائب في “أسلمة” كل مواد الدستور، فنحن بخير وإسلامنا بخير في ظل دستورنا الحالي، والأولى أن يلتفت وإخوانه النواب إلى مصالح الناس الذين انتخبوهم وإلى بناء وطن تخلف عن الركب في كل شيء، بدل محاولات تنفيذ أجندات الآخرين ممن يعيشون ظروفاً سياسية تختلف عمّا نعيشه في الكويت من خير وأمن وأمان، أدامها الله وأدام “مدنيتها” على الجميع!
***
رغم اعتراضنا على ما جاء في مقال الوزير أحمد الرجيب “الغزو من الداخل” الذي كتبه قبل تعيينه كوزير للشؤون وكان فيه إساءة بالغة لإحدى القبائل في الكويت، فإننا لا نجده مبرراً كافيا لاستجوابه من قبل النائب “صيفي الصيفي” الذي صرح بأن الوزير: “ذو نفس جويهلي ويشكك في أهل الكويت، وأنفاسه عنصرية تسيء إلى الوحدة الوطنية وهو لا يستحق المنصب الوزاري”!
ونحن نتفق مع النائب الصيفي بأن تعيين الرجيب كوزير كان قراراً غير موفق لأنه غير مقبول من شريحة كبيرة من النواب، إلا أن ما حصل قد حصل، وعلى النائب الصيفي أن يجد أثراً للنفس الجويهلي للوزير في قراراته الوزارية ومواقفه السياسية التي يتخذها لا أن يبني استجوابه على مقال كتبه وهو مواطن عادي، فمسؤولية النائب هي مراقبة أداء الوزير لا أنفاسه، ثم ما الذي سيعنينا نحن كمواطنين إن كان للوزير “نفس جويهلي” أو حتى شيطاني ما دام ذلك لا ينعكس على قراراته، وما دام يعامل المواطنين بمسطرة واحدة مهما كان رأيه في بعضهم، فليحتفظ ياسيدي بأنفاسه “الجويهيلية” كيفما شاء وحيثما شاء!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق