الآمال التي وضعها المواطنون على مجلس الأمة الجديد، يبدو أنها ستتحول إلى احباط وفقدان أمل، وتشاؤم من إمكانية وقف الهدر في المال العام. وكثيرة هي الملفات التي كان يفترض ان تتخذ بشأنها قرارات تلبي متطلبات الاقتصاد الوطني وتطور البلاد، وكثيرة هي القضايا التي كان يفترض أن تُحل بما يكرس التوافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن لم يتحقق أي شيء من ذلك. لم نر حسما لأي من الملفات، كل شيء يبقى عائما، أو يدور في حلقة مفرغة، حتى ان الخلافات بدأت تتعمق داخل الجسم التشريعي (مجلس الأمة)، وهو ما يزيد من التشويش في أذهان الرأي العام.
وهذا كله في ظل الأنباء المتواترة عن احتمال حل مجلس الأمة، وإشارات ملتبسة بشأن تعديل الدوائر الانتخابية، أما الاستجوابات فإنها تأخد المنحى التصادمي، أو تتحول إلى مهاترات شخصية وتصفية حسابات سياسية.
كثيرا ما يتساءل البعض: لماذا نصرّ على انتقاد كتلة الأغلبية البرلمانية وأخطائها؟ ان أبسط رد على هذا القول هو أن هذه الأغلبية بالذات كان لها دور في انتقال الحالة السياسية الى مرحلة جديدة، وهي أخذت على عاتقها القيام بجملة من الأولويات والخطوات، ولكن أين أصبحت هذه الوعود؟ وهل ان هذه الأغلبية بكل تكويناتها جاءت بمستوى الآمال التي وضعها الناخبون؟ ومادامت هي أغلبية، فلماذا تلجأ الى الاستجوابات؟!
بات من اللافت ان الأغلبية صارت مجرد تسمية عددية، والحقيقة انها كتلة غير متماسكة، والكتل البرلمانية هي كتل مفتتة داخل كتلة الأغلبية، فكون كل أعضاء الكتل في كتلة واضحة، صارت الكتل البرلمانية غير واضحة المعالم والرؤى، عكس المجلس السابق، فقد كانت الكتل واضحة، وعندما اتحدوا في كتلة «إلا الدستور» ظلت كل كتلة لها رأيها وموقفها الخاص بها، وكان لها دور أكثر.
فتصريح خالد السلطان عن رفض أي استجواب من دون اتفاق «الأغلبية»، استحالة كان يخرج من كتلة «إلا الدستور»!
فكتلة التنمية والإصلاح، وهي أكبر كتلة في المجلس (9 نواب)، وكتلة العمل الشعبي، هما الكتلتان اللتان تقودان بقية نواب كتلة الأغلبية، وهذه حقيقة يجب ألا ننكرها، وعلى الرغم من ان الظروف مواتية أمامهما لإنجاز كثير من الملفات، فانهما لم ترضيا طموح الشارع.
ولم يعد خافية الخلافات في اجتماعات الكتلة، وصل بعضها الى حد التراشق، وأبرزها ما حدث بين جمعان الحربش ومحمد هايف، مما سينعكس بتأثيرها في المشهد الانتخابي المقبل.
فالممارسات السلبية لـ«الأغلبية» أكسبت الحكومة تعاطفا وشعبية، فقد عابت على «الأقلية» تقديمها للاستجوابات، وها هي اليوم تتسابق على تقديمه.
مشكلة «الأغلبية» أنهم عوّدوا جمهورهم على الجو المعارض و«عشّموهم» بسقف عال من الوعود والتوقعات، وحصولهم على الأرقام العالية، أعطتهم شعورا بالنشوة السياسية، اعتقدوا من خلالها أنهم قادرون على تحقيق الانتصارات.
ففي البداية سلكت طريق التهدئة والتعاون، وتقديم القوانين، ولكن ما لبثت ان عادت الى خطاب معارضة الحكومة والدخول في نفق الاستجوابات، ولا ننسى «مُهمّة» بعضهم في «تشييش» الأغلبية بحجة ان جمهوركم اختاركم، لأنكم معارضة، فكيف تدافعون عن الحكومة أمام الأقلية! وعرفوا كيف ان التهديد والصراخ يجعلان الحكومة مرتبكة.
فقد أصبح واضحا وضوح الشمس، اليوم، أن الأغلبية «ملغومة» ومخترقة من أطراف نافذة!
بدأ انفراط عقد الأغلبية برياض العدساني، مرورا بتغريدات د. عبيد الوسمي خارج سرب الكتلة، ومن غير المستبعد ان يتبعهم آخرون في الأيام القليلة المقبلة، اذا تم تقديم استجواب الصيفي لوزير الشؤون أحمد الرجيب.
الواقع السياسي في الكويت وصل الى مرحلة متقدمة من الفوضى والهرج السياسي. ولا بد لنا من تأكيد انه يجب على الحكومة ان «تُداري» الوضع السياسي أكثر حتى لا يتكرر حل المجلس في فترات متقاربة، فالحل يعني ان الحكومة مهزوزة، ولا تعرف كيف تتعامل وتتعايش مع المعارضة، فمن الأفضل ان تحاول الحكومة إيجاد سبيل للتقريب بين وجهات النظر، قبل الإقدام على هذه الخطوة، وينبغي أيضا على جمهور الطرفين (الموالاة والمعارضة) ان يرتقوا بنظرتهم الوطنية، فحل مشاكل البلد وأولوياته لا يكون بالتعصب، أو انتصار فريق على فريق.
فوزية أبل
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق