أنهت المحكمة الدستورية الجدل الذي أثير حول دستورية مرسوم الصوت الواحد وذلك ببطلان المجلس المنتخب في ديسمبر الماضي وعدم صحة عضوية أعضائه وبتحصين المرسوم ليعود المشهد الانتخابي من جديد ضيفا أضحى ثقيلا بزياراته المتكررة بسبب الأخطاء الحكومية المتتالية في إجراءاتها ومراسيمها أحيانا، وفي عدم قدرتها على التعاون مع المجلس في أحيان أخرى. ومعها، عادت إلينا نقاشات المشاركة والمقاطعة بين مؤيد ومعارض لتثير هي الأخرى جدالات ونقاشات غالبها عقيم ينتهي بالتخوين والتشكيك والتهديد مع كل أسف. إلا أن الملاحظ حقا أن كثيرا ممن قاطع الانتخابات الماضية سيعود للمشاركة مرة أخرى وأن هناك فريقا لا بأس به قد قرر المقاطعة وثبت البعض الآخر عند رأيه لقناعات مفادها أن لا شيء قد تغير بعد حكم المحكمة الدستورية.
فمن قرر المشاركة بعد المقاطعة، يرى أن حكم المحكمة الدستورية واجب النفاذ وأن القضاء هو الملاذ الآمن لكل من يؤمن بدولة الدستور والمؤسسات مع التشديد على إستقلال القضاء وتنزيهه من أي تدخلات خارجية. كما أنه لا إصلاح قد يتحقق إلا من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية لإيصال ذي التوجهات الإصلاحية لعل وعسى أن ينصلح حال النظام البرلماني من خلال تفعيل الأدوات الرقابية والتشريعية. كما أن حكم المحكمة الدستورية قد ألغى الصلاحيات المطلقة لمراسيم الضرورة وليس لذلك دليل أكبر من الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون والخاص بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات والذي على اثره تم حل المجلس.
ومن قرر المقاطعة بعد المشاركة، يرى أن مؤسسات الدولة لا تؤمن بالنظام الديموقراطي وأن ما حدث عبارة عن لعبة انتهجتها الحكومة لتمرير بعض القوانين التي عجزت عن إقرارها في المجالس السابقة، وأن دور المجلس المنحل قد انتهى ولذلك لم ولن تتأثر الحكومة بحكم المحكمة الدستورية. ولعل ما يحدث يبدو واقعيا وقد يكون وسيلة ممنهجة لتكريه المواطنين بالنظام الديموقراطي، خصوصا إذا ما قرأنا جيدا تاريخ النهج الحكومي ومحاولاته المستمرة والحثيثة في وأد الدستور وتهميش دور المؤسسة البرلمانية.
أما من استمر في قرار المقاطعة، فيجد أن حكم المحكمة الدستورية لم يقم على أساس قانوني، بل جاء سياسيا بحتا وأن أسباب المقاطعة ما زالت قائمة حتى يتم وقف العبث السياسي والتفرد بالسلطة وأن يكون هناك إيمان كامل من قبل السلطة بدور الشعب بصفته شريكا في الحكم وبأنه مصدر للسلطات جميعا. يتساءل هؤلاء، هل حقق نظام الصوت الواحد أسباب الضرورة التي بسببها تم إصداره بمرسوم للضرورة؟ وهل هناك ضمانات ألا تقوم الحكومة وفي أي وقت، قد لا تتناسب فيه مخرجات الانتخابات مع أهوائها وتوجهاتها، من حل المجلس وإصدار مرسوم ضرورة آخر بتغيير عدد الأصوات أو الدوائر حتى تضمن الحصول على غالبية موالية داخل البرلمان؟ بالإضافة إلى غيرها من التساؤلات!
أما من سيشارك بعد المشاركة، فهو مؤمن بأن المشاركة في الانتخابات واجب وطني وأن مرسوم الصوت الواحد جاء بمسببات واقعية وملموسة، كما أن حكم المحكمة الدستورية الأخير هو تأصيل لدور دولة الدستور التي اختارها لنا أجدادنا بالمشاركة مع أسرة الحكم.
واقعيا، اختلفت الأسباب وتنوعت الرؤى وتباينت التوجهات ولكل منا قناعة، وبين مؤيد ومعارض ومشارك ومقاطع والقائمة تطول، لا يبدو أن المشهد السياسي قد يشهد انفراجا قريبا على أقل تقدير!!!
إبراهيم أديب العوضي
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق