ما مصير التسامح الوطني والتفاهم الطائفي في الكويت؟ والى متى تمزق الصراعات الاقليمية والحروب العربية مجتمعنا الصغير؟ ومتى نكف عن التفكير في الاصول والمذاهب، والغوص في دلالات الاسم والشكل.. وربما حتى المنطقة السكنية؟!
«أموت حنينا»، يقول كاتب لبناني، «الى الايام التي كان باستطاعة المرء ان يقول فيها انه عربي، من دون ان يسأله سامعه عن طائفته ومذهبه او يحاول فضح منابعه انطلاقا من اسمه! كان شعور المرء انه عربي يعفيه من السقوط في الحدائق الصغيرة المسمومة، لا تغضب عزيزي القارئ. لم يعد باستطاعتك القول انك عربي، سيسخرون منك، تمزقت تلك العباءة وتهرأت، ولا تستطيع القول انك عراقي، يجب ان توضح ان كنت سنيا أم شيعيا أم كرديا، لا تستطيع القول انك سوري يجب ان توضح ان كنت علويا ام سنياً.. أشعر بخوف فظيع، لقد فتحوا أبواب الجحيم وأيقظوا آبار السموم. انها منطقة اخرى هذه التي تولد على ايدي المتشددين والمتعصبين والمجازفين والمتهورين، تصدعت الدول والحكومات». (غسان شربل في الحياة، 2013/6/3).
اشتريت من بيروت ذات مرة اعجب اطلس عنوانه «لبنان – الفسيفساء»، من اعداد فرانسوا عيد، عن كل قضاء ومنطقة في لبنان والتركيبة المذهبية والدينية للمنطقة، من بين الطوائف الـ18 اللبنانية، لماذا انقسمت لبنان المستنيرة.. هذا الانقسام؟ ما الدروس التي تقدمها تجربتها للمنطقة الخليجية؟
لم يعد المذهب في العالم العربي للاسف الشديد مسألة خاصة او علاقة من نوع ما تربط الانسان بقيمه الروحية، فقد اصبح المذهب ميدان صراع وبضاعة لها «قيمة استعمالية» و«قيمة تبادلية»، ومادة خام، يمكن بناء اقتصاد كامل على استخراجها وتصنيعها وتسويقها واستثمار عائداتها! ومن لبنان الى العراق وسورية، والكويت والبحرين وحتى مصر، تم بناء هيكل كامل وشبكة ممتدة من العلاقات، لا يستطيع احد حتى ان يقدر ضخامة هذا الهيكل او مدى امتداد الشبكة، صار من اسهل الامور في العديد من الدول العربية ان يقتل المجرم الناس باسم الدفاع عن المذهب، وان ينهب اللص الخزينة باسم الاغلبية، وان يهيمن السياسي الانتهازي والانسان الوصولي على الجمعيات والمناصب والمكانة الطائفية والقبلية والعائلية باسم الذود عن المذهب والطائفة.
صراع على الجمعيات التعاونية مع الحرص الشديد على عزل اتباع المذهب المنافس، صراع على المقعد البرلماني وسط اكبر حجم يمكن اثارته من الغبار الطائفي، تأثيرات وامتدادات للقيم الطائفية عبر سائر المجالات المعيشية الاخرى، تدمير كامل لكل قيم التسامح والاعتدال.
في سورية، يقول الكاتب «غسان الامام»، الشرق الاوسط 2013/2/26، «لم تكن هناك اسلاك شائكة تفصل بين الاديان والمذاهب والطوائف، فقد تعايشت مئات السنين، اضرب مثلا بحي الميدان السني المحافظ، ففي قلبه حي للدروز، وأحياء للمسيحيين لهم فيها أقدم الكنائس والكاتدرائيات، يعبر الناس الأحياء المتداخلة بتعاطف لا تعرف فيه من هو المسلم أو المسيحي او الدرزي، ولعب النظام الطائفي ثم الاسلام الجهادي دورا كبيرا في تأجيج الخوف والعداء والاعتداء».
لبنان وقعت عبر تاريخها المعاصر لمآسٍ طائفية لا تحصى بسبب استثمار هذا الانقسام الذي يجد دائما من يتحمس له ويستفيد منه أو حتى يجد نفسه مرغما على استخدام لغته ومصطلحاته، يقال ان الرئيس اللبناني «شارل حلو»، الذي حكم لبنان ما بين 1970-1964، كان يداعب الصحافيين اللبنانيين كلما التقاهم: «أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان»!
بين الكتاب والساسة والبرلمانيين والإسلاميين المتشددين من المذهبين، في الكويت وغيرها، من يستحق مثل هذا الترحيب! أعجبت بمقال نشر في «الوطن» يوم 2009/5/22، بتوقيع «فيصل حامد» جاء فيه: «ان الانتماء للوطن اي الارض هو أسُّ وأصل الوجود، يجب ان يعلو على كل انتماء.. فلا يجوز ان يشعر الانسان المدني بولاء مذهبي او طائفي او عرقي او سياسي او فئوي الا ضمن ممارساته لخياراته الدينية او المذهبية او السياسية او الاجتماعية بشرط الا تتعارض هذه الخيارات مع وحدة المجتمع الوطنية او مع مصالح الدولة».
ما أعجبت به كثيرا عنوان المقال الذي كان: «اقتتالنا على السماء سيفقدنا الأرض»!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق