حين ينتهي الفيلم، وتضاء الأنوار في قاعة السينما، ويبدأ الرواد في المغادرة، لن تجد، في الغالب، شخصا يحمل كيسا يضم بواقي ما أكل وما شرب لالقائه في حاوية القمامة، الا شخصا واحدا أو شخصين، ما عدا ذلك، سلامتكم.سيخرج الجميع سعداء، مبتسمين، تاركين الصالة وكأنها مقلب زبالة، فحبات النفّيش منثورة على السجاد، وعلب الناتشوز مقلوبة بأجبانها وباقي محتوياتها على الأرضية الفاخرة، والأكياس وأغلفة الشكولاته والكاكاو تركت تحت الكراسي عند مواضع الأقدام، أما علب المشروبات الغازية فقد أخذت مكانها في المستوعب المخصص لها في كل مقعد، والى جوارها ما تيسر من أوراق كلينكس مستخدمة.هذا المشهد المحزن، المثير للغضب والأسى، دليل أكثر من واضح على فشل الاثنين، الأسرة والمدرسة، في تعويد الأبناء منذ الصغر على النظافة، ولذلك كبر هؤلاء بدون ان يشعروا بأهميتها في حياة الانسان والمجتمع، وأعتقد أنه لولا الخدم في المنازل، وعمال النظافة في الشوارع، لغرقنا في أكوام وتلال من المخلفات والزبالة لا أول لها ولا آخر، طالما ان كثيراً منا يتكاسل و(يتعييز) حتى عن تنظيف مكان جلوسه.قاعات السينما الكويتية أكبر برهان على أننا نعيش في زمن تكاد ان تختفي فيه عبارة النظافة من الايمان التي نشأنا وكبرنا عليها، فلم يعد فيه اهتمام بنظافة، ولم يعد فيه اكتراث بايمان، وبالتالي يصبح واجبا وطنيا، ودينيا اتخاذ ما يلزم من وسائل تجعل الناس يثمّنون النظافة كمعنى وقيمة يجب ان يحرص عليها الجميع.هذا الاهتمام يجب ان يمتد ليشمل كل ناحية، وكل مكان في الكويت، برا وبحرا وجوا، وقد شاهدت بنفسي التلوث والقذارة في نقعة الشملان المجاورة لسوق السمك في شرق، وكان الوضع فيها قادراً على ان يسحب الدموع من مستودعاتها، على الرغم من قراءتي عن جهود مستمرة لتنظيفها، ولكنها جهود لا تتماشى مع عمليات (التوسيخ) اليومية من قبل مستخدمي تلك البقعة.في تلك النقعة مختلف أنواع المخلفات التي تشوه منظرها، وتلوّث ماءها، وتقتل اسماكها، وقد رأيت عشرات الاسماك الميتة هناك، ولا عجب فعلاوة على التلوث الشديد في مياه تلك النقعة، يقوم الصيادون بكرف الاسماك من الخليج، ثم يأتون لكي يبيعوها (كتّيمي) للراغبين بالشراء، بأسعار أرخص من السوق، أما السمك الصغير الذي اصطادوه، على الطريق مع غيره، فيتخلصون منه بالقائه في تلك النقعة الموبوءة.الخلاصة، تثبت لنا الأيام باستمرار صدق عبارة يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن النصيحة والموعظة والارشاد لا تنفع مع كل الناس، وأن الاعتماد على أخلاق الناس وذوقهم لا ينفع ولا يفيد، وبالتالي فنحن محتاجون بالفعل، الى تطبيق قانون النظافة بحزم واصرار لأنه السبيل الوحيد لجعل الناس يرضخون ويلتزمون، ما عدا ذلك، نقول: شوف وجه العنز واحلب لبن.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق