
تقاس المشاركة الانتخابية بالكم والنوع معًا، فمشاركة شعبية واسعة مع غياب النخب مظهر مقلق يتطلب تحليلاً، ومشاركة الأحزاب والرموز مع غياب الطبقة الوسطى الواسعة أيضًا مظهر يستحق التوقف والدراسة، فوجود خلل بالممارسة الديموقراطية ومقاطعتها، تترتب عليه نتائج داخلية وخارجية خطيرة.
وقد اختار الكويتيون المقاطعة (كمًا) 61 في المئة بحسب النسبة الحكومية و73 في المئة بحسب أرقام المعارضة – في انتخابات مجلس الصوت «الأعور» الأول، وهي أقل نسبة مشاركة سياسية في تاريخ دولة الكويت، كما اختاروها (نوعًا) عندما انحازت النخب السياسية والاجتماعية والدينية بشكل واسع إلى هذا الخيار الصعب والقاسي.
وقد نجحت المقاطعة يومها عندما أغلق باب الترشيح دون تسجيل الكم والنوع الذي توقعته السلطة، ثم تأكد هذا النجاح بالنسب والتشكيلة التي حازت مقاعد ما سمي مجازًا بمجلس الأمة حينها، وإن كانت شهادة وفاته قد احتاج إصدارها إلى ستة أشهر، إلا أن السلطة قد تلقت التعازي والشماتة فيه قبل ذلك بكثير.
وها هو التاريخ يعيد نفسه بشكل مرعب، حيث لم تتغير الوقائع والأشخاص كما تعودنا، بل أصرت الحكومة على تكرار الممارسات المرفوضة ذاتها، متوقعة – بشكل غير منطقي البتة – الحصول على نتائج مختلفة! وليت «آينشتاين» بيننا كي يشرح لهم تعريفه الجميل للغباء البشري.
فالنخب السياسية أفراد وجماعات قد أعلنت مقاطعتها من جديد، ابتداءً من الحركة الدستورية الإسلامية، وانتهاءً بالمنبر الديموقراطي الكويتي، مرورًا بالحركة السلفية والتيار التقدمي والحركة الإصلاحية، وجميع الكتل البرلمانية بآخر برلمان «شرعي» قد قاطعت كذلك وهي «التنمية والإصلاح» و«العدالة» و«العمل الشعبي»، ويستعصي في هذه المقالة الموجزة تعداد الأشخاص المقاطعين من نواب سابقين وسياسيين وأكاديميين ونقابيين وإعلاميين.
واجبنا كحراك وطني يستهدف إنقاذ الكويت من غول الفساد والانفراد، يحتم علينا الاستمرار (أولاً) بمعارضة هذا الطريق المظلم، و(ثانيًا) تكرار المقاطعة باعتبارها نجحت في إسقاط مجلس الصوت «الأعور» الأول، وقادرة إن شاء الله على إسقاط المشروع الخطير بأكمله.
ختامًا: إن المقاطعة إحدى أدوات المعارضة السياسية المشروعة، وهي لا تعني الانكفاء والعزلة كما يزعم البعض، بل نعني بها عدم المشاركة بإضاعة وقت وموارد الوطن الثمينة، في تمثيلية سخيفة لا تمت للديموقراطية بصلة، وكل المسموح لنا فيها هو أن نكون «كومبارس» وشهود زور! حفظ الله الكويت ونظامها الدستوري من كل كاره وعابث.
ملاحظة أخيرة: مصطلح الصوت «الأعور» سياسي معتمد محليًا منذ أيام الصوتين أرجو عدم التحسس منه، فمن يعطى صوتا واحدا من أصل أصوات متعددة يطلق عليه ذلك، وهو بالضبط واقع نظام التصويت الذي فصَّلته الحكومة لمجلسها «المستأنس»، فكل ما يملكه المشارك هو صوت واحد لعشرة مقاعد تمثل دائرته ولخمسين نائبا يمثلون الأمة التي ينتمي إليها!
أسامة عيسى ماجد الشاهين
osama.alshaheen@gmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق