د.يعقوب الغنيم: هل العلم مجرد خرجة؟!

في يوم مظلم من أيامنا القليلة الماضية قرأت في صحفنا حديثا أطلقه أحدهم عند إثارة مسألة المطالبة برفع العلم الكويتي في المباريات الدولية القادمة، ولن أتحدث عن هذه المباريات لأنني لا أتابع ما يجري حولها أو ما يدور به الحديث عنها. ولكني أذكر هنا ما قاله مطلق الحديث، وهو حديث سيئ للغاية قاله المتفوه به دون ان يراعي ذوقا او احتراما لمشاعر الناس، ولا تقديرا لرمز الوطن، لقد ظهر علينا – يومذاك – وهو يقول لماذا تثيرون كل ذلك حول العلم والعلم (خرجة)؟!، وهذا الأسلوب الذي اطلقه في هذا المقام من الاساليب التي اعتادها في عدد من المناسبات المماثلة. ولانزال نذكر تصريحه يوم ضجت الكويت كلها عند اقتحام مجلس الامة وتخريب قاعة عبدالله السالم؛ فإذا به يقف مدافعا عن كل ذلك دون ان يحس اقل احساس بأثر ما يقوله في نفوس المواطنين الذين صدمهم الحادث ويقول: لم يحدث في الاقتحام شيء مما تقولون انه مجرد (كاس) تم كسره واحضرنا بديلا عنه. لقد اختزل كل ذلك الحادث البغيض الذي يهز النفوس التي تشعر بالمواطنة اختزالا شديدا جدا، اتباعا لما يسير عليه في التعليق على كثير من الامور المهمة التي يحيلها الى هزل ممجوج.
في شهر جمادى الاولى من السنة الثانية للهجرة، كانت غزوة مؤته؛ ومؤته من جهات الاردن اليوم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّر على هذا الجيش المتجه الى مؤته الصحابي الجليل زيد بن حارثة وقال: ان اصيب زيد فجعفر بن ابي طالب فان اصيب جعفر فعبدالله بن رواحة. ولقد لقي الجيش جموعا من اعدائهم لم يكن لهم طاقة لهم بمواجهتهم بسبب كثرة العدد فقتل القواد الثلاثة، وآلت القيادة الى خالد بن الوليد القصة طويلة يجدها من تهمه معرفتها في كتاب الكامل لابن الأثير الجزء الثاني الصفحة 158. ولشدة اهتمام جعفر بن ابي طالب بالراية التي كلفه الرسول الكريم بحملها فانه عندما قطعت يده نقلها الى اليد الاخرى وعندما قطعت يده الاخرى ضمها بين ما بقي من ذراعيه الى ان قتل، وتلقاها عنه عبدالله بن رواحة.
في اثر عودة الجيش الى المدينة وهو مثخن بجراحه، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال: «ثار خبر عن جيشكم هذا الغازي، انهم لقوا العدو فقتل زيد شهيدا، فاستغفر له، ثم اخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا، فاستغفر له، ثم اخذ اللواء عبدالله بن رواحة…. فقاتل حتى قتل شهيدا».
هذه المعركة العظيمة تدل على ان جيش المسلمين في ايام النبي الكريم كانت له راية (لواء) وكان هذا اللواء يرفعه قائد المقاتلين بتفويض من رسول الله. وهو لواء يتم تداوله اثناء المعركة اذا حدث للقائد حادث كأن يستشهد او يصاب اصابة لا يقدر معها على القتال او القيادة، وكان الرسول الكريم يحرص على رفع الراية حتى يُعرف مكان المسلمين، باعتبارها رمزاً دالاً على حوزتهم، وفي حديث غزوة خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سأعطي الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، فأعطى العلم لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.. ولم يقل أحد منذ أيام النبي الكريم أن الراية أو العلم ليس إلا خرقة لا يهمنا أن ترفع إلى أن جاءت أيامنا التعسة هذه فخرج علينا شخص هو للأسف الشديد عضو في مجلس الأمة وممثل للشعب وعلى الأقل ممثل لمن قام بانتخابه ليقول ذلك، فلا احترم رمز البلاد، ولا احترم الدستور وقانون العلم ولا اهتم بأن يكون للكويت موقع في المحافل الدولية يدل عليه علمها المرفوع بين أعلام الدول فَتُعرف مشاركتها بوجوده. ولم يفرق بين الخرقة (الخرجة) والرقعة التي اختارها أهل كل بلد أو عصر رمزاً لهم.
فتعارفوا عليه، ولن تجد بلدا او مجموعة من الناس لم يتخذوا رمزا كهذا يرفعونه في حروبهم وفي أعيادهم. ولذا فهم لا يقبلون له الإهانة قولاً وعملا. ولا يرضون أن يمسه أحد بسوء. إننا نرى العلم مرفوعاً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السلف الصالح الطيب من آله وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. ونحن باتباعهم أولى وبالسير على هداهم أجدر.
فيا من نعت رمز بلادنا: علمنا بأنه خرقه، فاعلم أنك أخطأت كثيراً في حق وطنك وأهله. فلم نكن حين رفعنا علم الكويت منذ تأسست أصحاب بدعة نجري وراءها. وها قد رأيت سلفنا الصالح كيف احتضنوا لواءهم ولم يفرطوا فيه.
إن كنت سلفياً حقاً، فاتبع السلف فيما يفعلون، ولا تغرنك نفسك فتطلق لسانك يميناً وشمالاً كما تفعل ذلك دائماً ثم تبحث لنفسك عن المبررات ولكن هيهات فإن الرصاصة إذا انطلقت لا تعود إلى مكانها.

د. يعقوب يوسف الغنيم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.