كان وما زال تعليقي الأول على أحداث مصر منذ نجاح ثورة 25 يناير هو “المصريين عرفوا الطريق”، وفي هذه الزاوية وقبل تنحي الرئيس مبارك كتبت مقالاً بعنوان “سقوط نظام الفولي”، استوحيته من فقرة رواية “عمارة يعقوبيان” تمنطق فيها أحد أزلام النظام، ويدعى الفولي على شخصية المواطن المصري، وكيف أنه يفضل السير بجانب “الحيط”، ويرضى بأقل القليل تجنباً “لوجع الراس”، وخضوعه الأزلي لأي سلطة.
نظرية الفولي المستفزة تكسرت خلال ثورة يناير عندما “نفض” المتظاهرون، الذين خرجوا بمئات الآلآف، الحياة بأكملها، وطلبوا الموت لأجل حياة أفضل وأكرم للأجيال القادمة، ومنذ تلك اللحظة اكتشف شباب مصر طريقاً مختلفاً للحياة مليئاً بالأمل والقدرة على التغيير للأفضل، يبدأ بكسر قيود الخوف والارتباط بما مضى، ويتسع لكل الأفكار والرؤى، ونهايته تقع عند المحطة الأخيرة لطموحات الشباب.
وسوف أسجل هنا اعترافي وقلقي من صحة رأيي، وهو “المصريين عرفوا الطريق” عندما وضع المصريون أنفسهم في المأزق المر بين مرشح الإخوان ومرشح النظام السابق في انتخابات الرئاسة، وكيف سارت الأمور على مضض في مساندة محمد مرسي كممثل ومعبر عن ثورة يناير لعدم وجود خيار آخر غير إعادة عقارب الزمن للوراء وإرجاع مبارك على هيئة شفيق.
لقد اختفى الشباب الذي خلق ثورة يناير وتقدم “لاعبي” أحزاب الكلام الكبير والفعل القليل، وبدأ سيادة “المرشد” سياسة اختزال الثورة في الإخوان، واستبعاد كل من أوصلهم للسلطة من غير “الجماعة” لتدخل مصر في صورة صراع جديد بين الإخوان وكل القوى والجماعات التي أوصلتهم إلى الحكم.
ومنذ عدة أسابيع تبدلت الأحوال عندما بدأ تاريخ “30 يونيو” يلف أرجاء مصر ليبشر من جديد بأن “المصريين عرفوا الطريق” وما زالوا مستعدين للتضحية لإكماله حتى النهاية، لقد تمت الدعوة عشرات المرات لمليونيات نجح بعضها وبعضها الآخر فشل، ولكن “30 يونيو” كانت مختلفة وقوية قبل أن تنطلق لأنها استقرت في وعي من شارك بها، وأيدها لتظهر على هيئة ذلك الطوفان البشري الذي “فقأ” عين كل من يتهم معارضي الإخوان بتهمة التبعية للفلول!!
لقد خرجت تلك الملايين المصرية لتعلن أن ثورة يناير المجيدة هي ثورة كل المصريين وليس الإخوان فقط، وأن مصر دولة مدنية متسامحة تضم الجميع مسلمين وأقباطاً ولا مكان فيها للتطرف أو خزعبلات تغييب العقل، والأهم أن مصر الحالية تتطلع إلى الريادة ولن تستطيع تحمل أي قيادة قاصرة عن تحقيق ذلك.
في الختام ما يريده الشعب المصري الذي خرج بأعداد تفوق من خرجوا ضد نظام مبارك وخلال مدة زمنية من تاريخ الثورة الماضية، سيتحقق في مدة أقل من التي احتاجها مبارك لكي يفهم أن “اللعبة انتهت” لأن من يملك حق التولية يمتلك أيضا حق العزل، وليحفظ الله مصر وشعبها من كل شر.
الفقرة الأخيرة: نبارك للجميع بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وعساكم من عواده.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق