
قبل ايام كنت بالصدفة استمع واشاهد «فيديو» اغنية «يما القمر عالباب» للفنانة فايزة احمد. في «الفيديو»، كان هناك النمساوي استيفان روستي والاسكتلندي احمد رمزي والشركسي من ام ايطالية رشدي اباظة، وبالطبع السورية – العراقية فايزة احمد. وحدهما نعيمة عاكف وزينات صدقي المصريتان تربية واصلا. هكذا كانت مصر التي خلفها الغزو الفرنسي والتأثير الاوروبي، وهي مصر، القاهرة، او ام الدنيا التي يحلم بها قليل جدا من شباب الثورة او التمرد الحالي.
هذه مقدمة للسؤال الذي طرحته يوم امس.. هل ما يجري ثورة.. حركة تمرد على الرئيس محمد مرسي، على الاخوان.. ام حركة تمرد ــــ كما يتأمل الكثيرون ــــ على التدين والتأثير الديني؟. ايضا كما كتبت يوم امس، الوقت مبكر جدا للاجابة عن هذا التساؤل، خصوصا ان الوضع لم يستقر بعد. وشوكة الاخوان المسلمين ربما اقوى مما كانت. فهم نجحوا وسينجحون في تحويل الهجوم عليهم – كعادة كل المجاميع الدينية ــــ الى هجوم على الاسلام، وسيتمكنون من ايقاظ المارد الديني المعشش، حتى في رؤوس شباب الثورة قبل غيرهم.
لن يكون في الامكان هزيمة الاخوان او التيار الديني من خلال التناغم والانسجام مع الطرح الديني. ولن يكون سهلا تبعا لهذا اقتلاع الاخوان المسلمين دينيا من دون احلال بديل ديني لهم. لقد اتى الشعب المصري والثورة المصرية بالاخوان الى الحكم. وببساطة عليهم ان يتعايشوا مع ذلك. فالاخوان المسلمون او المتدينون بشكل عام موجودون، وهم جزء من الشعب المصري. بل حاليا هم الشعب المصري كله. الثورة ان كان هناك ثورة، مطالبة اولا بان تطرح العلمانية كحل والوطنية كانتماء. الذين خرجوا يوم 30 يونيو كان هدفهم معاقبة الرئيس مرسي او استنكار سلوك الاخوان وليس استنكار ما يمثلون وما يحملون من «ايديولوجيا». لهذا.. هي ليست ثورة، بل اسما على مسمى «تمرد» وحسب.
عند الانتخابات التي جرت في اجواء غير ديموقراطية كان على الناس ان يختاروا، بين المتدينين وانصار السلطة السابقة. الناس اختاروا المتدينين باعتبارهم الأكثر امانة والاقرب لهم. هذا ما حذرنا منه القوى الوطنية طوال السنوات السابقة هنا في الكويت. فالقوى الوطنية دأبت على التحالف مع المجاميع الدينية وضمها الى الصف الوطني العام بوصفها «قوى سياسية». هذا كان خطأ رهيبا دفعت ثمنه القوى الوطنية خلال العقود الماضية. وهو خطأ اكبر في مصر، حيث سلم «الثوار» وعبر صناديق الانتخاب شرعية الحكم للاخوان المسلمين. صناديق انتخاب، بلا دستور وبلا التزام بالمبادئ الديموقراطية في الحرية والعدالة والمساواة. لهذا كان طبيعيا ان تصاب «الثورة» بخيبة امل. او الشعور بالغدر، فالاخوان المسلمون ليسوا مهيئين حاليا للحكم ديموقراطيا، لا في مصر ولا حتى في تركيا. هم بحاجة الى جيل جديد او تغيير كامل في المعتقد والمفاهيم.
المهم ان الخطأ ارتكب، والاخوان اصبحوا شرعيا وفق المفاهيم العربية الضيقة للديموقراطية حكام مصر. اقتلاعهم بالقوة قد يكون مشروعا بسبب الاخطاء والخطايا التي ارتكبوها، ولكنه سيكون تعديا واضحا على الشرعية وسابقة خطرة قد تؤسس تقليدا يعصف بالمنطقة. خصوصا ان المنطقة مشبعة بالمخلفات الخطرة. وليست بحاجة الا الى عود كبريت لبدء الاشتعال. ولنا في الدعوات التي انطلقت لحض تونس على الثورة دليل.
ان تكون هناك ردة «صحوة» على الهيمنة الدينية امر مطلوب قبل ان يكون مفهوما ومقبولا. لكن ان يكون هناك تكالب على حركة الاخوان المسلمين لا لشيء إلا لأنهم أخطاوا في مصر، فهذا اقصاء وتعد ليس من المفروض ان يقبل به منصف او يقف متفرجا عليه من ينشد العدل والحرية والمساواة لكل الناس.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق