عبداللطيف الدعيج: غضبة في غير محلها

الغضبة التي أبداها بعض نوابنا والكثير من أهلنا على النواب والاشخاص الذين اساؤوا مؤخرا بشكل لافت للنظر لرموز الدولة والوطن في الكويت، هذه الغضبة في نظري مبالغ فيها وليست في محلها أصلا. مبالغ فيها لأن الأمر كله لا يتعدى حرية رأي، كفله دستورنا ونظامنا الديموقراطي. رأي سيئ او أهبل، او ما كان من المفروض ان يبدى او يتخذ، هذا صحيح، مائة في المائة، وليس لدى احد على ما أعتقد شك في ذلك. ولكنه ليس جرما يعاقب عليه القانون وليس خيانة عظمى كما يتوهم او يدعي البعض. ما أبداه البعض كان سلوكا او رأيا «سلبيا»، والسلوك او الرأي السلبي ليس جرماً وليس عملاً عدوانياً بحكم سلبيته. تماما مثل ان تفكر في ارتكاب جريمة ولكن تمتنع عن تنفيذها، فإن التفكير، اي الرأي بحد ذاته، ليس جرماً وليس انتهاكاً للقانون.

وهي غضبة في غير محلها لان الاصل والمفروض ان تتوجه الغضبة نحو اسباب ووسائل، بل وحتى مؤسسات التحريض على هكذا سلوك وترويج هكذا آراء. ان حكومتنا ومؤسساتنا معنية بتربية النشء بالقوة على الولاء والانتماء لغير الوطن، وعلى تعظيم وتفخيم «تابوات» دينية وقبلية وحتى قضايا قومية واممية على حساب الانتماء والولاء الوطني. لدينا ناس ماتوا في سبيل البوسنة او افغانستان، ولدينا ناس مثلهم مستعدون للموت في سبيل سوريا هذه الايام. ولكن ايا من هؤلاء الناس بالذات لم يتحرك للدفاع عن الكويت عند الاحتلال وليس لديه نية او دافع للاستشهاد من اجل الكويت. بل ربما يكون الدفاع او الاستشهاد من اجل الكويت عند هؤلاء جرما وذنبا يجب تجنبهما، وليس في هذا عجب او غرابة فالذي لا يحترم رموز الدولة ليس لديه استعداد للاستشهاد في سبيلها.

لقد تربى هؤلاء، مثل ما يتربى اغلب الجيل الحالي على تعظيم وتفخيم التدين، على حساب الولاء والانتماء الوطني، ناهيك عن غرس المفاهيم والعصبيات الطائفية والقبلية التي تتولاها وتدعمها اجهزة الدولة ومؤسساتها.

لهذا فان «الغضبة» الحقيقية يجب ان تتحول الى المسؤول الفعلي عن هذا السلوك غير الوطني وهو «السلطة»، والحكومة التي ترعى وتتعهد التطرف والانتماء الديني، بينما تحارب او على الاقل تتجاهل غرس الانتماء والولاء الوطني في نفوس الناشئة وعقولهم.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.