خالد الجنفاوي: “حَقِّق ذاتِكِ”من دون تدمير مُجْتمعك !

“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير” (الحجرات 13 ).
أعتقد أن السجالات الشخصانية وضيق الخلق والذي يُظهره بعض من يشاركون في بيئتنا الديمقراطية الكويتية ربما يشير إلى حالة تدهور أهمية المعايير والقيم والتوقعات الاجتماعية المتفق عليها, بالنسبة إلى البعض. فوفق نظرية الاضطراب الاجتماعي Anomie عندما تبدأ تتآكل أهمية القيم والمعايير والفرضيات الاجتماعية النمطية والتي يتفق عليها أغلب أعضاء المجتمع بسبب حدوث تغيرات اقتصادية وثقافية هائلة فربما سيؤدي ذلك إلى تشوه هذه القيم والفرضيات النمطية, بل وربما سيؤدي ذلك إلى تخيل تناقضها مع ما يحدث في واقع الحياة اليومية, فالمجتمع الذي يعاني من هكذا خلل يتحول تدريجياً إلى بيئة (تبدو لمن يراقبها من بعيد) فوضوية وغير متوقعة ويصعب فيها ربط الآمال والأهداف الذاتية بما يمكن للفرد تحقيقه في مجتمعه الوطني. وبالطبع, فأسباب هذا الانحدار الاجتماعي هي أسباب نفسية وذهنية “مصطنعة” نوعاً ما, ومبالغ فيها أحياناً كثيرة وترجع إلى جموح بعض المطالبات الشخصية! وأعتقد أيضاً أن المعضلة النفسية والتي نواجهها حالياً في مجتمعنا الكويتي, كبروز ظواهر الشزر والحنق غير العقلاني والتشكيك في الولاءات والسجالات والمماحكات الشخصانية والغضب السريع بين البعض ربما يرجع سببها لتغير التوقعات الفردية المعاصرة وتناقضها مع ما يعتقده البعض بأن المجتمع يوفره كفرص متساوية لتحقيق الذات في الحياة اليومية.
على سبيل المثال, عندما يرفض أحد أعضاء المجتمع الاندماج النفسي والاجتماعي والثقافي الطوعي مع بيئته المحلية بسبب تصوره أن بيئته التي يعيش فيها لا تتوافق مع تطلعاته وأهدافه الشخصية فسيحاول بشكل أو بآخر إيجاد خيارات بديلة يمكن عن طريقها, ووفق زعمه, تحقيق ذاته! وبالطبع لا يصل إلى مرحلة “رفض الاندماج الاجتماعي” سوى ذلك الفرد الذي تغيب عنه أهمية الأنماط والمعايير الاجتماعية المتفق عليها وطنياً.
لن تتحقق الذات الإنسانية إذا استمر الفرد يرفض قبول الفرضيات والترتيبات والانساق الاجتماعية التاريخية والسلمية في مجتمعه الوطني. فمن يريد ربط آماله وتطلعاته وأهدافه الشخصية بما يمكن له تحقيقه على أرض الواقع عليه “التمهل وعدم التسرع” ! فالمرونة الاجتماعية وتطور الهياكل الأساسية لأي مجتمع إنساني لا تحدث بين ليلة وضحاها! فيتطلب الاندماج النفسي والثقافي والشخصي مع البيئة الوطنية كثيراً من التضحيات الإيجابية, وكثيراً من الايثار الوطني, وكثيراً من الصبر, وكمية هائلة من قبول حتمية “التنوع الإنساني” في النسيج الاجتماعي الوطني. فلعل وعسى.

*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.