الجرأة السلفية الدينية على رموز الدولة والوطن لم تأت من فراغ. وليست بنت اليوم أو وليدة – ما قد يعتقده البعض – الموجة الانتخابية الدينية التي هيمنت على الانتخابات الاخيرة، لكنها نتاج تأصيل وتعهد سلطوي دأبا منذ حل مجلس الامة سنة 1976 على غرس القيم والمواريث الدينية والقبلية على حساب المفاهيم والتربية الوطنية.
بل انه حتى مع دعاوى التمسك بالدستور وبالنظام الديموقراطي، فان الحكومة وبقية مؤسسات الدولة وحتى المجتمع لا تزال تقف عاجزة امام «مهمة» وضرورة الفكاك من المد والهيمنة الدينية. رغم دعاوى التحرر وادعاءات الانفتاح وتحويل الكويت الى مركز مالي، وربما سياحي، فان السيطرة أو الاجتياح الديني لا يزال مهيمنا ولا يزال متزايدا ايضا. بل انه عبّر عن نفسه في سيطرة على مجلس الامة، تتعارض مع النظام الديموقراطي الذي ترشح الاعضاء من خلاله، وتتناقض مع الدستور الذي أقسموا عليه. في الواقع فانهم اخترعوا قسمهم الخاص المخالف والمناقض للمادة 91 من دستور الدولة، امام مرأى ومسامع الحكومة وبقية الاعضاء الذين لم يتجرأ احد منهم بحكم توجهه و«تربيته» الدينية والخرعة التي في قلبه من سطوة التدين على الدفاع عن دستور الدولة ونظامها الديموقراطي اللذين سقطا وحيدين تحت اقدام التخلف والتعصب الديني.
المؤسف ان الكثير من النواب صبوا جام غضبهم على زملائهم، وانتقدوا الممارسات غير «الوطنية» التي ارتكبوها، في حين انهم غضوا ويغضون النظر عن الممارسات الحكومية، وهي الأسوأ والاكثر خطورة بسبب رسميتها وصلاحياتها وكونها قدوة لبقية الناس. ان حكومتنا لا تزال بلحية ودشداشة قصيرة، تحمل ابريقا وسجادة بدلا من القلم والعدة. ترعى المسابقات الدينية وتهمل بقية الأنشطة. وتعفو عن المجرمين لانهم حفظوا بعض سوره وليس لانهم تفهموا قوانين الدولة واطلعوا على انظمتها ودستورها. تروج لكتب الجن والعفاريت، وتوافه بعض السلف والتلف وتحجر على كتب العلم والادب والفن النظيف.
اذاً لا تلوموا النائب محمد هايف، أو النائب الطبطبائي، فهما اما نشآ على التربية الحكومية وتشربا توجيهاتها أو انهما يركبان الموجة ويحصدان ما زرعت وتزرع الحكومة لهما.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق