أ.د محمد المقاطع: الزحف على السلطة القضائية

تناولت في المقالة السابقة التجاوز الواضح من قبل أعضاء مجلس الأمة بخصوص مخالفة المادتين 50 و 115 من الدستور تحديدا، وذلك بالتدخل في شؤون السلطتين الأخريين (التنفيذية والقضائية)، وقد استعرضت في تلك المقالة ومقالات سابقة أمثلة وأوجها عديدة لهذا التدخل المخالف للدستور، وطالبت بالتصدي له من السلطة التنفيذية تحديدا، ومن قبل أعضاء البرلمان أنفسهم من الحريصين على احترام مبدأ الفصل بين السلطات والوقوف عند الحدود الدستورية لكل سلطة من السلطات الثلاث.

وقد أشرت في مقالتي السابقة أيضا الى انني سأخصص هذه المقالة لحالة الزحف الذي يمارسه اعضاء مجلس الامة على اختصاصات السلطة القضائية، ومحاولات التدخل في اجراءاتها، وهو ما يشكل خرقا ومخالفة لأحكام الدستور بصورة واضحة، ومن الأمثلة التي حدثت في هذا الشأن حالات الاعتراض على بعض الأحكام القضائية، ولا أقول نقد الاحكام (اذ ان الاخير مطلوب ومباح بإطار علمي وموضوعي، أما الاول فهو محاولة للضغط على القضاء والتدخل في شؤونه) كما حدث في التجمع النيابي امام قصر العدل بعد صدور احكام قضائية في قضايا محددة، ويدخل ضمن ذلك التدخل التشريعي لتقييد سلطة القاضي التقديرية في شأن الاحكام القضائية التي يمكن له أن يصدرها بحيث يحاصر القاضي بسلطته تلك، فلا يكون الخيار امامه الا بايقاع عقوبة شديدة أو اعطاء حكم بالبراءة، وهو أمر أفرزته حالة الاندفاع السياسي، وهو ما يشكل غلا ليد القاضي في ما هو مختص به دون غيره من السلطات، (ويلاحظ وجود مثل هذا الامر في القانون الخاص بقانون المسيء للذات الالهية الذي رده سمو الامير).

ومن نماذج التدخل السياسي، تحت غطاء التشريع، من قبل مجلس الأمة في شؤون واختصاص القضاء، ذلك التعديل الذي تمت الموافقة عليه من لجنة الشؤون التشريعية في مجلس الأمة، والخاص بقانون إنشاء المحكمة الدستورية الذي تضمن الغاء اختصاص المحكمة بتفسير أحكام الدستور، فقد تم حسم هذا الموضوع من قبل المحكمة ذاتها بقرارات تفسيرية أصدرتها في عامي 1986 و1999، وفي فترات لاحقة، ومن ثم أصبح اختصاصها بالتفسير (حتى وان اختلفت أنا شخصيا معها في الرأي)، مستمدا من حكم الدستور ، وهو أمر لا يجوز أن يأتي التشريع اليوم لالغائه اذ انه حتى لو تم فلن يؤثر في ممارسته، لأن هذا اختصاص أصبح مقررا بأحكام الدستور وفقا لقرارات المحكمة، والمدخل المناسب لتعديله صار بتعديل الدستور ذاته، أما غير ذلك من التعديلات التشريعية فيصبح تدخلا في شؤون القضاء.

ان مسار مجلس الأمة في ظل الأغلبية الحالية لا يسير بالاتجاه الايجابي في استثمار هذه الاغلبية لتكريس الحفاظ على الدستور واحترام نصوصه، بل ان الأغلبية صارت سببا للتعسف وتجاوز الدستور، وهو ما تم في الآونة الأخيرة على الصعيد السياسي الرقابي والتشريعي، والذي انطوى على تدخلات بشؤون السلطتين الأخريين وبمخالفات صارخة.

اللهم اني بلغت.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.