عبدالرحمن العوضي: وأفل نجم ساطع للبيئة في الكويت

نعم كان المرحوم د.محمود يوسف عبدالرحيم نجم بيئي ساطع في الكويت، وكان من القلائل الذين نذروا حياتهم منذ أول يوم عرفته وعلى ضوئها تفرغ للبيئة، وكان اللقاء معه مصادفة حيث جاء مع وفد من الطلبة بصفته مدرسا للعلوم وذلك يوم 7/4/1976، وكنت عندها وزيرا للصحة، وكان شعار يوم الصحة لذلك العام هو «البيئة والتعليم»، حيث تختار وزارة الصحة كل عام موضوعا من الموضوعات حسب توصيات منظمة الصحة العالمية كموضوع ليوم الصحة العالمي.

وكان ضمن برنامج الطلبة زيارة وزير الصحة، وقابلت د.محمود يوسف ووجدته متمكنا من الموضوع ومتحمسا بصورة عجيبة، فسألته عن وظيفته فرد علي بأنني مدرس علوم ومهتم بالبيئة.

فسألته عن رغبته في الانتقال لوزارة الصحة لأننا كنا قد بدأنا في انشاء قسم لصحة البيئة، فتردد قليلا ووعدني بأن يزودني بعد يومين بما يتخذه من قرار، وجاءني في الموعد المحدد موافقا على النقل الى قسم صحة البيئة بعد موافقة وزارة التربية، ففرحت كثيرا وكنت قد أنشأت هذا القسم الجديد بناء على قرار من برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن تنشئ في كل بلد هيئة او وزارة للبيئة، وطرحت الموضوع على مجلس الوزراء، فكلفني بأن أتولى مواضيع البيئة في الكويت حتى يتم انشاء هيئة خاصة بها.

وفي ذلك الوقت لم يكن هناك اهتمام كبير بالبيئة، وكانت مفاهيم الناس عن البيئة أنها نوع من الكماليات وجمعته مع العاملين في الوزارة، وكان من بينهم رحمهم الله جميعا شخص كويتي اسمه ابراهيم هادي، وكان خريج دبلوم صحة البيئة يساعده أستاذ مصري اسمه د.مصطفى الدسوقي وهو من أحسن الأطباء العاملين في مجال صحة البيئة. وكان اخصائيا من الطراز الأول ومع اضافة المرحوم د.محمود يوسف اليهم كونوا فريق عمل متكاملا للتعامل مع قضايا البيئة.

فعندما اكتمل قسم البيئة بوزارة الصحة وضعنا برنامجا طموحا لرصد القضايا البيئية في الكويت والعمل على اكتشاف مجالات التلوث البيئي، ووضعنا له مراصد لتلوث الجو ومراصد لتلوث البيئة البحرية وقياس كمية هبوط الغبار على الأرض بصفة يومية.

وهكذا أصبح لدينا صورة أولية عن الوضع البيئي في الكويت خلال أول سنة، الأمر الذي جعلنا نزداد اهتماما بقضايا البيئة في الكويت، وكان الفريق متفاهما وجادا في العمل ويعد التقارير الشهرية عن الوضع البيئي في الكويت. وكان خلف هذا العمل الجاد د.محمود يوسف، وابراهيم هادي واكتشفت فيهما بوادر طيبة واستعدادا للتعلم وازدياد المعرفة، وبناء عليه سعيت لهم لدى د.مصطفى طلبة الذي كان يشغل المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة واخترنا لهما مراكز متميزة لهذا التخصص.

وقد برز د.محمود يوسف في الجامعة وأنهى الماجستير في البيئة في المناطق الحارة، ودكتوراه في مجال بيئة السواحل البحرية. كانت هذه علامات بلوغه وفكره المتميز وبصيرته النافذة قد ميزته عن زملائه، وجاء الينا رحمه الله متميزا ومتحمسا للعمل.

وكان هو الدافع القوي خلف البرامج البيئية في الكويت، الأمر الذي أدى الى تخصص الكثير من الشباب في مجال البيئة وأصبحت الكويت من أحسن دول الخليج في مجال البيئة، كل هذا التميز وهذا الابداع كان بسبب ذلك الرجل المخلص الذي ضحى بحياته كلها من أجل بيئة الكويت، ولم يكتف بذلك بل كان من الأشخاص المتميزين والمبدعين الذين سعوا الى نشر الثقافة البيئية في دول مجلس التعاون، وله فضل كبير في تشجيع الشباب الكويتي والخليجي على التخصص في المجال البيئي لأنه كان دائما من النموذج المخلص الذي حبب البيئة الى قلوب الجميع.

نعم هكذا كان المرحوم د.محمود يوسف الذي كرس حياته وعلى مدى أربعين عاما لخدمة البيئة وشغل الكثير من المناصب في الكويت والبحرين والأمم المتحدة، وأبدع فيها جميعا وترك فيها جميعا رصيدا كبيرا من المحبة والاخلاص والعمل الصادق، ورغم هذا الابداع في حياته وعمله كنت اشعر بتقصير الكويت بحقه، وكان يستحق مناصب افضل من كثير ممن شغلوا هذه المناصب، وهذا الشيء الوحيد الذي كنت اشعر بانه مهموم منه رحمه الله، ولكن رغم ذلك لم يقصر أو يؤثر على عطائه وابداعه.

حقا اننا فقدنا نجما سطع في الكويت وخدم البيئة بكل تميز واخلاص، رحمك الله يا أبو هيثم، وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.