في سنة 1963 استضفتُ الاستاذ الدكتور عثمان خليل عثمان الخبير الدستوري لمجلس الامة، وذلك في الاذاعة عندما كنت مسؤولاً عن البرامج الادبية والثقافية، وارتكز اللقاء حول الدستور والمجلس والوعي الشعبي في التجربة البرلمانية..
فقال الدكتور عثمان متسائلاً باستغراب: رأيت وعياً برلمانياً وكأن التجربة البرلمانية لها عمر طويل في الكويت، فقلت له هل وصلت الى سر ذلك الوعي فقال لا، قلت له ان هذه الظاهرة سببها البرلمانات المنتشرة في الكويت، قال كيف هذا؟ قلت الدواوين.. هي بمثابة البرلمانات لانها تجمع الحاكم وابناء اسرته مع الشعب وهذه الظاهرة غير موجودة في العالم العربي ولا دول الغرب.
والديوانيات في بلاد عربية زوايا مغلقة ومقتصرة على صاحب المجلس واصدقائه واهله فقط..
اما هنا فالديوانية مفتوحة لكل فرد فقيراً كان او غنياً وللمقيمين من مختلف الجنسيات فلم يكن في هذه اللقاءات حاجز، يناقش الامير في امور الدولة وكذلك افراد الاسرة الحاكمة والوزراء ووجهاء الدولة وعامة الشعب.. فلما عرف الشعب مجلس الامة لم يجد اي حاجز بين افراده والقياديين.
٭٭٭
استكملت الكويت استقلالها في 1961/6/19 والغيت معاهدة الحماية المبرمة مع المملكة المتحدة، واتجهت الدولة المستقلة نحو تقويم مختلف شؤون البلاد الداخلية والخارجية وفي مقدمتها نظام الحكم.
وفي لقاء الدكتور عثمان خليل عثمان تحدث عن مراحل تكوين البناء الديموقراطي..
تم انشاء المجلس التأسيسي المنتخب الذي وضع اساس الحكم في البلاد وذلك بناء على اصدار نظام الانتخاب رقم 15 سنة 1961.
وفي مطلع عام 1962 صدر قانون رقم (1) للعام المذكور لانشاء المجلس التأسيسي واقر المجلس الدستور.
وفي 11/11 سنة 1962 صادق المغفور له الامير عبدالله السالم حاكم الكويت على الدستور ، وبدأ العمل به في يناير 1963.
وجاء الدستور كانجاز حضاري، يفصل بين السلطات العامة، وبين التشريع كما ينفصل كل منهما عن القضاء.. ويمضي الدكتور عثمان خليل عثمان قائلاً: هذه المزايا لا تتحقق ان طغت احدى هذه السلطات على الاخريين، والدستور هو سيد السلطات الثلاث كلها، وكتخطيط شامل لكل من وظائف التشريع والتنفيذ والقضاء، والسلطات الثلاث القائمة على هذه الوظائف المنفصلة، مع تكاملها الطبيعي وتعاونها الحتمي في سبيل مصلحة الجميع..
والدستور هو الملاذ الوحيد من مخاطر التشريع بصفة خاصة.. لهذا لا يكفي ان يوضع الدستور، وانما يلزم كذلك ان نكفل سيادته على السلطة التشريعية..
وخير وسيلة اهتدى اليها الفكر الانساني في هذا الخصوص نظام المحاكم الدستورية التي تستطيع الحكم بابطال القانون ان صدر مخالفاً للدستور، وهذا يبين اهمية المادة 173 من دستور الكويت التي تقرر في هذا الشأن مايلي:
يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح وبين صلاحياتها والاجراءات التي تتبعها، ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح.
وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون لائحة يعتبر كأن لم يكن.
المرجع: مقال: للدكتور عثمان خليل عثمان، الخبير الدستوري (مجلة العربي)، العدد الخمسون، يناير 1963 ويمكن للدول المتخلفة ان تركن الدستور وتعبث بالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. فلا يكون للدستور اي قيمة، ويمكن التلاعب في القوانين والتنفيذ والكويت الآن ليست ببعيدة عن تعطيل الدستور والتلاعب بالقوانين وايقاف او عرقلة التنفيذ.. وهذا متوقف على وعي الشعب في مهمة الدستور.
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق