أعتقد أنه لا يوجد في عالمنا المعاصر والديمقراطي شيء أسمه حرية مطلقة, فما يمس كرامات الناس الآخرين يلجمه القانون والاجراءات المتبعة في البيئة الوطنية. فالظروف الأمنية, والاجتماعية, والسكانية, والثقافية لأي مجتمع إنساني معاصر تحدد طبيعة حرية الرأي والتعبير. فلا يمكن في أي حال من الأحوال السماح بحرية مطلقة يستعملها أي شخص لازدراء معارضيه في الرأي أو احتقارهم, أو التقليل من قيمتهم الاجتماعية والوطنية. فالدول والمجتمعات الديمقراطية تحدد “تجاوز” حرية الرأي والتعبير تباعاً على ضررها وتأثيرها المدمر على السلم المجتمعي أو إضعافها أو تهديدها للأمن الوطني. فلم تخرج حرية الرأي والتعبير المثالية عن دفات كتب الفلسفة والتحليل السياسي والديمقراطي, فحرية الرأي والتعبير مرهونة بالظروف الأمنية والاجتماعية الخاصة بكل بلد.
إضافة إلى أن الظروف الامنية للدول والمجتمعات تحدد ماهية حرية الرأي والتعبير, فتحدد أيضاً النسبة السكانية والطائفية والدينية طبيعة حرية الرأي والتعبير في المجتمع الإنساني المعاصر. فلا يمكن في المجتمع المدني والديمقراطي التغاضي عن محاولة عقلنة أو شرعنة أو السماح بازدراء الاقليات الدينية, أو المذهبية, أو المس من كرامة اعضاء المجتمع فقط لأنهم مختلفون عن الاقلية أو عن الاغلبية. فإذا بدأ البعض يستعمل حرية الرأي والتعبير وفق معايير شخصانية وفوضوية للغاية فالنتيجة الحتمية والمتوقعة هي تهديدها للأمن الوطني.
ولا يوجد إنسان عاقل أو مواطن حق, بل ولا توجد حكومة معاصرة تقبل تهديد الأمن الوطني والمجتمعي, فالفتن والقلاقل والاضطرابات الاجتماعية المدمرة هي النتيجة الحتمية للاستعمال العبثي لحرية الرأي والتعبير. وكإنسان حر وكفرد مستقل لا أقبل أن يذمني أو يشتمني أحدهم فقط لأنه يخالفني الرأي. فهذا النوع من الاستهتار بكرامات الناس ومحاولة التقليل من قيمتهم الانسانية والحط من كرامتهم أو تشويه سمعتهم أو الحط من قدرهم الشخصي أو المس بقيمتهم الوطنية لا يعتبر حرية رأي وتعبير, بل هو حرية قذف وتشويه ومساس بالثوابت الوطنية.
وكما لا توجد حرية رأي وتعبير مطلقة, لا توجد أيضاً رقابة ذاتية ! فحتى لو أدعى أحد الأفراد العاديين أو احدى المؤسسات الصحافية الخاصة أنها يمارسان “رقابة ذاتية” في نقدها للآخرين لكنهما يعلمان جيدا أن هذه الحرية تحددها قبل كل شيء القوانين المعمول بها في البلاد. فتصبح “الرقابة الذاتية” في استعمال حرية الرأي والتعبير حرية مسؤولة ما دام يلتزم من يستعملها بالحدود والمحاذير القانونية التي تحمي كرامة الأفراد وتصون الأمن الوطني.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق