وليد الجاسم: وصية «نايف» للكويت

فجعت المملكة العربية السعودية الشقيقة امس بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد، الذي يوارى في الثرى بعد صلاة المغرب اليوم الاحد، بعدما جاءه القدر المحتوم وفاضت روحه الى بارئها اثناء رحلته العلاجية في الخارج.
والأمير نايف بن عبدالعزيز – رحمه الله – صاحب تاريخ طويل جدا يصعب الإلمام به كله، وصاحب مواقف مبدئية معروفة، اشتهر بالصرامة والحزم والعدل في الوقت ذاته، لا يحب التردد ولا المواقف الضبابية، ولا يحب التلاعب بالكلمات.
في ظهيرة الأول من فبراير سنة 2000، شاءت الأقدار أن أكون ضمن وفد إعلامي كويتي زار الراحل الكبير في مقر عمله المحبب إلى نفسه، في مكتبه بمنطقة السليمانية في الرياض، حيث كان آنذاك رئيس المجلس الأعلى للإعلام ووزير الداخلية في المملكة.
اللقاء كان مميزاً جدا، بل هو لقاء من النوع الذي يرسخ في الأذهان لا يبارحها، كان لقاء صريحاً، وكانت عيناه – رحمه الله – تطلب الأسئلة الصريحة من الإعلاميين الكويتيين المعروفين أيضاً بصراحتهم المتناهية وجرأتهم الكبيرة في اللقاءات مع المسؤولين كباراً كانوا أم صغاراً.
تلك الصراحة التي سادت اللقاء كانت مبعث متعة للراحل الكبير، مثلما كانت صراحته – رحمه الله – وقوة إجاباته ووضوحها وحضوره الذهني الحاد مصدر متعة لنا كإعلاميين.
لم يتردد في شرح نظريته الامنية لنا، ولم يتردد وهو «النايف.. الرفيع» أن يطلب منا دعمها، فقال رحمه الله.. «نريد من الإعلام أن ينظر نظرة خاصة إلى الأمن، الأمن شيء يحتاجه كل انسان، الأمن للجميع، وبدون الأمن لا تنمية ولا استقرار ولا تطور».
ثم يمضي الراحل قائلاً.. «نريد من الإعلام أن يتعاون معنا، بل وينتقدنا ويوجهنا ولكن بشكل موضوعي، نحن لا نطلب التمجيد من الإعلام.. ولكن نطلب الحقيقة».
ولم يخف صاحب السمو الملكي الراحل في ذلك اللقاء وبمنتهى الوضوح والصراحة قلقه على منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، آملاً تطويرها، واستذكر الغزو العراقي الغاشم للكويت مؤكداً انه من اللحظة الأولى لوقوع الغزو كان عازماً على انهائه.. ان سلماً او حرباً، وكل ما يطلبه في المقابل فقط ان نعتبر مما حدث ونغير مفهومنا للتعاون.
كان أيضا – رحمه الله – قلقاً على الكويت، وأكد لنا.. «ما يمسكم في الكويت يمسنا في المملكة» كما أشار الى المصالح المشتركة التي تكتمل معها العلاقات بين البلدين.
أما ما لا أنساه مما قاله في ذلك اللقاء.. فهو عندما أوصانا بقوله.. «نوصيكم خيراً ببلدكم الكويت، ونقول لكم احفظوا بلدكم واحفظوا مسيرة الخير فيه».
وقبل ان تنطق أفواهنا بأي تعليق، استدرك هو وقال.. «نحن نعلم أن اهل مكة ادرى بشعابها.. وان الأمر يخصكم، ولكن نقول ما نقول من واقع خصوصية العلاقة معكم، وهذا ما ننتظره منكم ايضا، عاملونا بالمثل، ونتمنى ان تقولوا لنا أين الخطأ».
رحمك الله يا نايف بن عبدالعزيز واسكنك فسيح جناته، ورغم اننا سمعناك تقول إنك لا تطلب «التمجيد»، لكن التمجيد اليوم هو الذي يطلبك ويأتيك، لتظل في ذكرانا «النايف».. المرتفع الشامخ السامي، آثارك موجودة اصعب من ان تُمحى، وافعالك مرصودة أكبر من ان تُنسى.
.. {إنا لله وإنا إليه راجعون}.

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.