ننجرف في مشاغل الحياة اليومية بين وظيفة ورعاية أسرة ودراسة وتجارة ونشاط اجتماعي وسياسي ولهو ولغو لا يتوقف، تخطفنا الأسابيع والشهور من أعمارنا، فلا نكاد نعد عاماً إلا تبعناه بعام آخر، الأيام تغدو بنا مسرعة وآمالنا في الحياة مبطئة، فكلنا نرى الغد البعيد وننسى اليوم الحاضر، هل تصدق أن بيننا وبين الغزو العراقي الغادر 23 عاماً، وها نحن نكتب ذكرياته وننشر وقائعه ونروي أحداثه وكأنها حصلت قبل سنتين أو ثلاث؟
متى نتوقف لحظة ونعد العدة الصحيحة لهذه الحياة الفانية؟ فاليوم نحن على ظهر الأرض وغداً تحت ترابها، فماذا سنأخذ معنا من هذه الحياة إلا أعمالنا وما كسبته أيدينا وألسنتنا من القول والفعل، يبادر بعض الناس بالأعمال الصالحة فينميها في حياته حتى يتوفاه الله وقد عمّر صحيفته من كنوز الآخرة، ويلهو بعضنا عن حقيقة الحياة ويرى الموت بعيداً عنه، فإذا حلّ به فجأة لم يجد في يمينه ما يقدمه لنفسه، وترك ماله لورثته.
رمضان شهر الكرم، إنه الفرصة السانحة للالتفات إلى النفس وتنمية رصيدها من الخير والبر، وأي بر خير من صدقة لقريب، ومعونة لمسكين، ورعاية لمحتاج، وكفالة ليتيم، وما أكثرهم في بلادنا وبلاد المسلمين، فماذا ننتظر حتى نجعل لنا نصيباً من الخير في هذا الشهر الفضيل؟
تلفت عن يمينك وعن شمالك لن تعجز عن مشاهدة المحتاجين، ربما يكونون من أقربائك أو جيرانك ومعارفك وما أكثرهم في الكويت، وقد تستعين بمن يدلك عليهم، وإن أردت، فخارج البلاد تنوء بالناس الكوارث، من حروب ومجاعات وعوز وفقر، وما حال أهل الشام، نصرهم الله، منا ببعيد.
العمل الصالح والصدقة بالمال لا يحتاجان إلى واسطة، ولا يشترط بهما مبلغ كبير، ولا تنفعهما بهرجة الإعلام والدعاية، إنهما عمل بينك وبين ربك تقدمه رجاء التوفيق والبركة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة، فاجعله عملاً لا يدري به أحد، فهو خبيئتك الصالحة بينك وبين رب العالمين، فماذا ننتظر؟
كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً، وكان أجود ما يكون في رمضان، وأجود من الريح المرسلة، فهو ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، والجزاء من جنس العمل، فبقدر ما تكون كريماً في هذا الشهر ينالك من كرم رب العالمين، قال الرسول الكريم «ما نقص مال عبد من صدقة»، والله الموفق.
***
• إضاءة تاريخية: فالح عامر البريعصي (1971/1896) شارك في حرب الجهرة، وهو حارس بوابة البريعصي في السور الثالث، وهو الوحيد الذي سميت بوابة باسمه.
وليد عبدالله الغانم
waleedalghanim.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق