هذا مقال سبق أن نشرت جزءاً منه على أمل أن تعالج هذه المسألة الإنسانية، ولكن طال الأمد للأسف إلى أن أكرمنا الله بأن عرض علينا في اللجنة الصحية في المجلس السابق قانون ينظم هذه المسألة، مما دفعنا إلى الإسراع في دراسته دراسة وافية ومن ثم إقراره، وهو الهيئة العامة للقوى العاملة التي سيكون من اختصاصها الإشراف على العمالة في القطاعين العام والخاص والتي نشرت في الجريدة الرسمية في 2013/5/19.
لنبدأ الحكاية من البداية بإيجاز شديد يتناسب مع مقال محدود المساحة: «كان فتى يافعاً، يحلم كبقية البشر بحياة أفضل في بلد سمع من بعض زملائه أنه يوزع الأموال من دون حساب، وهو الذي حرم في وطنه من الطعام الجيد والتعليم والعلاج، وللوصول إلى هذه الجنة الموعودة، فهو يحتاج إلى المال لإخراج جواز السفر والتذاكر ومصاريف المكتب، وحصة الكفيل، وأوراق الفحص الطبي – صحيحة كانت أو مزورة – وغيرها من المصاريف، وليس أمامه إلا أن يبيع ما وراءه ودونه ويستلف مبلغاً من المال على أمل أن يسدده عند الوصول إلى بلد الثراء. حين وطئت قدماه أرض المطار، اقتيد كالقطيع إلى سرداب تحت الأرض واحتجز مع زملاء له بانتظار الكفيل أو مندوب الشركة التي سيعمل فيها، بعد انتهاء الإجراءات يفرج عنه لتأخذه الشركة، وليفيق من الحلم.
هذا المثال السيئ يعتبر محظوظاً إذا ما قورن برعاة الإبل والأغنام الذين نصادفهم أثناء ذهابنا للشاليهات تحت حرارة هائلة من دون غطاء أو شجرة يستظلون تحتها، ودون ماء بارد يرطب شفاههم المتشققة، ودون رحمة من كفيل ظالم!
هذه النماذج لا توجد في الغرب، فهم لا يستوردون إلا العمالة الماهرة التي لا تحمل أمراضاً نفسية وعضوية كأمراض السل والكبد الوبائي وأمراض الجهاز الهضمي للعاملين في تداول الأغذية وغيرها.
هؤلاء البؤساء لا يعرفون اللغة العربية، ولا يجدون من يدافع عنهم، فليس لهم نقابة، والقانون يمنع التجمعات والإضرابات. لذلك، فهم مغلولو الأيدي في مواجهة الشركات والكفلاء ولا يستطيعون اللجوء الى المحاكم.
كم من الوزراء تعاقبوا على وزارة الشؤون يعدون بمحاربة هذا الرق وهذه العبودية للبشر، ويعدون بفضح مستغليهم وتمضي الأيام ويتغير الوزير ولا شيء يتغير، الآن القانون الذي يحمي حقوقهم موجود، والكرة في ملعب الحكومة لتنفيذ هذا القانون. نرجو أن يُفعل في أقرب فرصة.
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق