في خضم الصراع السياسي وجلبة التناحر وصخب النزاعات، تضيع أصوات وتساؤلات حول قضية جوهرية تمس حياتنا كلنا، بل هي حياتنا وماؤنا وهواؤنا وصحتنا، قضية البيئة التي يتغافل عنها الجميع على الرغم من بالغ أهميتها وعمق تأثيرها!
وللتذكير: ففي الكويت هناك ما يربو على 40 مليون متر مكعب من التربة تلوثت منذ أكثر من عقدين من الزمان، من جراء قيام قوات العراق المنسحبة بتفجير 798 بئر نفط في الكويت، حيث تدفق النفط الخام منها، وتراكم في المنخفضات في المناطق الصحراوية ليشكل 246 بحيرة نفطية كبيرة أدت إلى تغيير خصائص التربة، ودمار مساحات زراعية ومراعٍ طبيعية واسعة، وفناء الكثير من الحيوانات والهوائم تسمما، هذا غير تسربه إلى الطبقات الصخرية للمياه العذبة الوحيدة في شمال الكويت! ومازالت المواد النفطية تتغلغل في التربة وتهدد بمزيد من الدمار والتلوث!
ولكم أن تتخيلوا مدى تعقيد برنامج العلاج اللازم لتلك التربة وإعادة تأهيلها مع وجود ألغام زرعها العراقيون في كل مكان، وأسلحة لم تنفجر، واختلاط النفط في تلك البحيرات بالرمال والحطام، وامتزاجه بما يزيد على 6 مليارات غالون من مياه البحر المالحة استُخدِمت لإطفاء الآبار المحترقة تبخرت وبقي ملحها، ومع عمق البحيرات النفطية الذي يصل في بعض منها إلى ستة أمتار، وحرارة شديدة للتربة تصل إلى 86 درجة مئوية في الصحراء المكشوفة خلال الصيف..!
رحمتك يا إلهي! نفط وأملاح عالية التركيز ورمال وحطام وألغام!
تلك هي تربتنا الآن، ثم نأتي ونتساءل «وين راح الفقع؟»، أين ما كنا نتغنَّى به ونحن صغار «قد خرجنا عندما جاء الربيع، وحولنا العشب على الرمل البديع، وطيور البر تسبح في الفضاء»؟! وما سبب تزايد الأمراض الجلدية والتنفسية والمسرطنة؟!
ألا يجدر بنا مع كل هذا التلوث أن نتساءل كيف مازلنا أحياء؟! ما شاء الله علينا وحوالينا!
هل انتهيت؟ لا، إليكم ما هو أسوأ.. الحكومة مع علمها بوجود هذا التلوث منذ عشرين عاما لم تبادر بعلاج التربة حتى الآن، ولماذا؟ لأنها تنتظر أموال التعويضات من الأمم المتحدة وفق خطوات تسير على قشر بيض! فتركت آثار الجريمة في محلها دون تنظيف لتثبت حقها! وغير مهم الأمراض التي انتشرت والأضرار البيئية التي تفاقمت، ومياهنا التي تلوثت! وآخرتها أقرت لنا لجنة التعويضات ملياري دولار شفطتهما غرامة صفقة الداو!
أما نوابنا الكرام فأنا أعذرهم، فجدول نزاعاتهم المزدحم لم يترك فسحة لمثل تلك الأمور «التافهة» وغير المجدية في مقياس الحسابات والمصالح!
لكن كله كوم، والسحلية البرية كوم، فالدراسات أوضحت تأثر السلوك اليومي للسحلية الرملية بالملوثات النفطية، من حيث اختلاف مواقيت بزوغ السحالي من جحورها صباحا! حسبي الله عليهم، السحلية صارت تستيقظ الضحى بدلا من الفجر!
الله المستعان!
mundahisha@gmail.com
@mundahisha
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق