القرار السامي بوقف الزيارات الرمضانية للدواوين، قرار حكيم ويستهدف بالدرجة الاولى مصلحة الوطن والمواطن، قبل رفع الحرج والاجهاد عن حضرة صاحب السمو وسمو ولي عهده.
طبعا كثيرون سينظرون الى الجوانب الايجابية التي يمثلها التواصل والتزاور بين القيادة والناس، وكذلك عظمة التآزر والتراحم اللذين تجسدهما زيارات التهاني، أو لقاءات المواساة أو المباركة في الاعراس والاعياد بين الجميع. لكن الكل ينسى، أو هو يتناسى ان هذه كانت محدودة، وكانت مقبولة في المجتمعات البدائية والصغيرة، التي يسودها البطء وتفتقد المؤسسات المدنية المهيأة التي حلت محل الافراد أو العائلات أو القبائل والعشائر، لتولي كل أو جزء كبير من هذه المهام.
المجتمعات المعاصرة الحية، ليس لدى افرادها وقت يضيعونه في التسكع بين اروقة المستشفيات أو صالات الفنادق. فالمواطن هناك، يعمل من التاسعة حتى الخامسة. وفي زحمة مدن هذه الايام، فإن عليه ان يستيقظ قبل السابعة، ويقود ساعة أو كثر ليصل الى محل عمله. وبالطبع مثلها عند انتهاء العمل. باختصار ليس لديه الوقت الذي لدى المواطن الكويتي، يعني تماما مثل آبائنا واجدادنا الذين كانوا يكسرون صخر البحر من ست الصبح الى ست بالليل. هؤلاء لم تكن لديهم فرصة يزورون مرضى أو يهنئون بالاعياد رغم صغر مجتمعهم وبساطته في ذلك الوقت. «هبابهم» يلحسون لقمتهم وينامون مبكرا استعدادا ليوم جديد، شاق وطويل.
هذه الايام، وهنا في الكويت، المواطن يصحو مبكرا عشان يتواجد في المقبرة، وبعد المقبرة يبدأ بزيارة من فاته تعزيتهم بالامس. وفي المساء يأتي دور زيارة المرضى واللف على مستشفيات البلد لمواساة فلان وعلان. وفي الليل تأخذ حفلات وولائم الاعراس عقل المواطن الكويتي وبطنه. الذي ينهي بقية يومه في احد الدواوين ان لم يكن ليله قد انتصف بعد. وآخر الشهر يقبض الراتب ويتظاهر مطالبا ببدلات وزيادات في الراتب.
هذا ليس المواطن العادي فقط، بل هذه حال وجدول اعضاء الحكومة ونواب مجلس الامة والوكلاء وكل المسؤولين في الدولة. يداومون في المقابر وفي صالات الشيراتون اكثر مما يداومون في مجلس الوزراء أو في الادارات الحكومية. والسؤال: ما الذي سيفعله المسؤولون عندما يتضاعف السكان وتتضاعف المساكن والدواوين.؟!
ان القرار السامي بوقف زيارات الدواوين، قرار حضاري وعصري. يريح رجال الأمن والحماية ويساهم في التخفيف من الزحمة ويضع حدا للتمييز بين المواطنين، وقبل كل هذا وذاك يترك فرصة لحضرة صاحب السمو وولي العهد للعناية بالاهم من الامور، وعساه يكون مثلا وقدوة لبقية المواطنين.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق