رغم أن الناخب الكويتي على قدر من الوعي، فإنه يحتاج إلى وعي إضافي ليتمكن من التمييز بين المرشحين، لكثرة طروحاتهم وشعاراتهم المبالغ فيها.
قرأت، ذات مرة، أن إحدى نقائص «العقل العربي» هي افتتانه باللغة في ذاتها، إلى حد أنه لا يجعلها مجرد تعبير عن «الفعل»، بل يكتفي بها «بديلاً» عنه!
تذكرت هذه الملاحظة الذكية، وأنا أتابع صخب «البورصة الانتخابية» (وفقاً للتعبير الشائع)، حيث امتلك كل المرشحين فجأة وسبحان الله، قدرة فائقة على التحليل والنقد، وجرأة خيالية على رفع الشعارات البراقة والعبارات الملتهبة، ظناً منهم أنهم يستطيعون مخادعة الناخبين بـ «إنجازات صوتية»، أو «صروح من ورق»!
فالمتأمل في المشهد الانتخابي في كويتنا الحبيبة يوشك أن يغرق في الضحك أمام مبالغات النواب الذين تركوا على الأرض مشاكل الناخبين وقضاياهم الضاغطة، وذهبوا يحلقون في الفضاء، وكل منهم اتخذ لنفسه شعارات لا سبيل إلى تحقيقها، ولا هدف لها إلا دغدغة مشاعر الناس، وإيهامهم بأن المترشح «عالي الصوت» هو الفارس الأوحد في الدائرة، وهو وحده من يدافع عن مقدسات الوطن، ويحمي آمال الشعب!
ويثير دهشتنا مترشحون آخرون يسكبون «حكمتهم السياسية» في آذان الناخبين الذين سئموا معسول الكلام ومسمومه في وقت واحد، حيث نطالع برامج انتخابية إما أنها تخادع وعي الناس، وتزيف واقعهم، وإما أنها تخاصم مصالحهم، وتنتهك مكتسباتهم في الأمن والرفاهية، وتهيل التراب على وحدته الوطنية، وإما أنها تخترق حاجز المعقول، وتتعلق بالخيال، وكأن ساحات البلد تحولت فجأة إلى مسرح للمزايدات الجنونية، أو «سوق عكاظ» سياسية تذكرنا بالسوق الأدبية المشهورة في الجاهلية، حيث كان «أجمل الشعر أكذبه!» بغض النظر عن قياسات المنطق ومعايير الحقيقة!
لقد غاب عن هؤلاء المترشحين في غمرة مزايداتهم النيابية أن الناخب الكويتي صار أكثر وعياً مما يظنون، وأنه لن تنطلي عليه «تمثيليات» الذين يتهافتون على الكرسي البرلماني، وإن كان طريقهم إليه يمر عبر إثارة النعرات القبلية، وإشعال الفتنة الطائفية، والتغني بشعارات تكافؤ الفرص وحماية القانون والدستور، على الرغم من أن كثيراً منهم خرجوا من عتبات الانتخابات الفرعية أو التشاورية التي تخترق كبد القانون والدستور معاً!
ويبدأ مترشحون آخرون حملاتهم الانتخابية تحت شعارات دينية وطائفية وفئوية، ويشعلون نار التأزيم تارة بين فئات الشعب، وتارة أخرى بين البرلمان الذين لم يولد بعد والحكومة التي لا تزال في رحم الغيب!
ولأن المشعوذين كثر، فإنه يقع على عاتق الناخب الكويتي أن يتسلح بالوعي والحكمة والحيطة لاختيار ممثليه، حتى لا يقع ضحية لشعارات زائفة تجافي الواقع، وتكتفي بـ «الحديث» عن الطموحات، بدلاً من الاجتهاد في تحقيقها!\
أ.د.معصومة أحمد إبراهيم
Dr.masoumah@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق